مركب الحجار للحديد".. رمز الصناعة الجزائرية يواجه خطر الانهيار

24.06.2014 11:04

الجزائر/ سيف بورية/ الأناضول.

الجزائر/ سيف بورية/ الأناضول -



بعد أن كان "مشروع حلم" يقود الجزائر إلى عالم الصناعات الثقيلة، ويخلق فرص عمل، تبدل الحال إلى النقيض بعد أن سيطر القطاع الخاص على غالبية أسهمه، فتراجعت إنتاجيته، وانخفض عدد العمالة فيه إلى النصف وبات مهددا بالانهيار.



إنه مركب مصنع الحجار للحديد والصلب، بولاية عنابة، شرقي العاصمة الجزائر،  الذي تأسس بشكل كامل أوائل عام 1982، بعد 25 عاما من بداية العمل على تأسيسة خلال 3 مراحل، إذ يعود الظهور الأول للمركب إلى سنة 1959 أثناء الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، في إطار مشروع الرئيس "شارل ديغول" (1959- 1969)، الذي حاول استعطاف الجزائريين وهم في أوج الثورة التحريرية، ببرامج اقتصادية كبرى، منها "برنامج قسنطينة" (ولاية شمال شرقي البلاد) الذي يضم إرساء قاعدة صناعية كبرى بالمنطقة.



وانطلق ديغول في استغلال مناجم الحديد بمنطقتي الونزة وبوخضرة بولاية تبسة الحدودية والتي تبعد عن مدينة عنابة بنحو 280 كلم، قبل أن يفكر في تحويلها وتركيبها عن طريق خلق شبكة مواصلات للسكك الحديدية من تبسة (شمال شرق) إلى عنابة، لكن ديغول لم ينجح في استنزاف هذه الثروات المنجمية الهائلة، إذ تمكنت الجزائر من انتزاع استقلالها بتاريخ الـ5 من شهر يوليو/ تموز من عام 1962، بعد حرب كبرى دامت سبع سنوات ونصف.



عام 1964، قام أول رئيس جزائري، "أحمد بن بلة" بإنشاء مؤسسة "العنابية للحديد والفولاذ" قصد استغلال منجمي الونزة وبوخضرة، لكن سرعان ما انقلب عليه قائد الأركان آنذاك العقيد "هواري بومدين" الذي حكم الجزائر فيما بعد لمدة 13 سنة، وكان يراهن على صناعة الدبابات وبعض العتاد العسكري، الموجه للجيش بمركب الحجار للحديد والصلب.



بومدين كان يحلم أيضا بتطوير الصناعة التحويلية والتركيبية، لذا قام بإنشاء عدة مؤسسات وخلق العشرات من المصانع التي تقوم بتصنيع الجرارات الفلاحية (الزراعية) والآليات الضخمة، فضلا عن مؤسسات وورش مختصة في صناعة المسطحات الحديدية موجهة لتركيب بعض التجهيزات الكهرومنزلية.



وأنشأ بومدين في مركب الحجار ورشة خاصة تسمى "ورشة الأنابيب الحلزونية"، تقوم بتصنيع أنابيب نقل الغاز والبترول الموجه لحقول وآبار النفط في الجنوب الجزائري، فضلا عن بعض العتاد المستعمل في التنقيب عن هذه المواد، ولم يغفل الصناعة العسكرية بنفس المركب، فعلاوة على الدبابات، قام بإنشاء ورشة مختصة في صناعة الكثير من الملحقات الخاصة بالدبابات ومحطات إطلاق الصواريخ وغيرها.



وعلى مساحة 820 هكتارا (الهكتار 10 آلاف متر مربع)، أرسى بومدين قواعد مركب الحجار للحديد والصلب، فقام عام 1966 ببناء الفرن العالي رقم 1، بطاقة إنتاجية قدرت بـ1500 طن يوميا، وأضاف إليه ورشة الأنابيب الحلزونية.



وفي سنة 1975 قام بومدين بتدشين المفولذة الأوكسجينية، ووحدات الدرفلة على البارد، والدرفلة على الساخن، ودرفلة القضبان، وأتبعها بورشة إنتاج الأنابيب الموجهة للصناعات البترولية ونقل المواد الغازية، وكذا الخاصة بالتنقيب على الغاز والبترول.



قبل أن يقوم عام 1978، بتدشين الفرن العالي رقم 2 بطاقة إنتاجية بلغت حدود الـ3500 طن يوميا، مرفق بالمفولذة الأوكسجينية رقم 2 وورشة المفحمة.



وصرّح بومدين في أعقاب زيارة الزعيم الكوبي للمنطقة "فيدل كاسترو" خلال نفس السنة، بأن "مركب الحجار سيلتزم بتصنيع الدبابات والعتاد العسكري والجرارات ومختلف العتاد الفلاحي ولن يقتصر نشاطه على القضبان والأسلاك الحديدية".



بعد تدشين كل هذه الوحدات والورش، أصبح مركب الحجار مجمعا متكاملا للصناعة الحديدية والتحويلية والصناعات الثقيلة بالجزائر، وباتت الجزائر الدولة الوحيدة في إفريقيا والعالم العربي، التي تتوفر على مركب من هذا النوع.



ومع اكتمال تأسيس المركب في 1982، بلغ انتاجه 1.4 مليون طن سنويا من القضبان والأسلاك الحديدية، وقفز خلال عام 1986 إلى حدود الـ2 مليون طن، لكن أحداث عام 1988 بالجزائر التي تسمى "بأحداث أكتوبر 1988"، والتي أعقبتها مرحلة من الاضطرابات السياسية أدخلت البلاد في مديونية كبيرة وإفلاس حقيقي، أنهارت معها المؤسسات الوطنية، فضلا على أن الرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992) الذي خلف الرئيس الراحل، هواري بومدين، لم يكمل المشوار الذي بدأه سابقه بومدين، وفضل عدم الذهاب بعيدا في مسألة الصناعات الثقيلة والتحويلية.



الشاذلي بن جديد قام عوضا عن ذلك، ببناء مؤسسات صناعية وشركات عمومية عبر مختلف الولايات تتزود بالمادة الأولية من مركب الحجار وينشط كل واحد منها في مجال معين، بقصد الرفع من مداخيل الاقتصاد الوطني في تلك المرحلة.



ولم يتوقف الشاذلي عند هذا الحد، بل عمد أيضا إلى إفشال عمل الورشات التحويلية بالمركب وقام بتوقيف برنامج الاستثمارات الثقيلة، بعد أن حاول تجسيد برنامج اجتماعي تحت شعار "الرفاهية للشعب"، بديلا عن بناء اقتصاد وطني قوي ومتماسك.



تلك الخطوات هيأت الظروف للدخول في برنامج حكومي لـ(خصخصة) المؤسسات الاقتصادية؛ فقامت بالتخلص من أعباء مركب الحجار، عن طريق التنازل عنه في إطار الشراكة مع الهند، في إطار اتفاقية لمدة عشر سنوات من 2001 إلى 2011، بنسبة أسهم قدرها 70 بالمائة، للشريك الهندي، وتحت عدة شروط منها تطبيق برنامج استثمارات ضخم بالمركب وصيانة الوحدات والورشات، ورفع القدرة الإنتاجية والمحافظة على مناصب الشغل مع صيانة مناجم الحديد بتبسة، بحسب إسماعيل قوادرية، إطار (عامل) سابق بالمركب، وأمين عام لنقابة العمال ونائب برلماني يعمل على ملف المؤسسات الاقتصادية بالجزائر.



قوادرية أضاف في تصريحات للأناضول أن "غياب الرقابة من قبل الجهات الحكومية، أتاح للمستثمر الهندي التلاعب بورشات المركب وعدم تطبيق الشروط المتفق عليها، ما تسبب في وقت لاحق من توقف الفرن العالي رقم 1، وشلل كبير بما تسمى بالمنطقة الساخنة فضلا عن توقف اضطراري من حين لأخر يدوم لستة أشهر تقريبا لباقي الورشات في شكل المفولذات الأوكسجينية والمدرفلات".



ومضى قائلا:  "منذ دخول المركب مرحلة الشراكة لم ينجح في تجاوز عتبة 500 ألف طن من الحديد سنويا.. في الوقت الذي كانت فيه الأهداف المسطرة العودة إلى طاقة الإنتاج الحقيقية للمركب".



وتابع: "سارعت إدارة الشريك الهندي إلى توقيف عدة ورشات ووحدات إنتاجية على غرار وحدة الأنابيب الحلزونية التي كانت قد زودت مجمع سوناطراك الجزائري للصناعات البترولية في وقت سابق خلال الثمانينات والتسعينات بما قدره 6 آلاف كيلومتر من الأنابيب الخاصة بنقل الغاز والبترول، والتوقف شمل أيضا ورشات إنتاج الحديد المسلح والمسطحات الحديدية".



وخلص قوادرية إلى أن "تواصل انهيار المركب بهذا الشكل المريع، دفع الحكومة لاستغلال نهاية العقد الذي كان يجمعها بالشريك الهندي، لتطبيق قانون "حق الشفعة" لاسترجاع المركب، بنسبة 51 بالمائة مقابل 49 لصالح الشريك الهندي، منذ صيف عام 2013، مقابل ضخ 1 مليار دولار لإعادة صيانة المركب".



ولم تنطلق عملية إعادة ترميم وصيانة مركب الحجار للحديد والصلب الكائن بمدينة عنابة، على الرغم من تخصيص مبلغ إجمالي قدره 1 مليار دولار، منها 720 مليون دولار على عاتق الخزينة العمومية الجزائرية، والباقي على عاتق ميزانية الشريك الهندي.



وقادت نقابة عمال مركب الحجار للحديد والصلب بولاية عنابة، مفاوضات طويلة، سبقتها حركات احتجاجية ومسيرات عمالية وإضرابات عن العمل، خلال الثلاث السنوات الأخيرة، بعد أن لاحظت وجود إهمال واستهتار كبيرين بمستقبل المركب الذي يعتبر فخر الصناعة الجزائرية وواحد من أكبر المركبات الصناعية على الإطلاق بشمال إفريقيا.



ففضلا عن تراجع الإنتاج لم يلتزم الشريك الهندي بوعوده فيما يخص المحافظة على مناصب الشغل وخلق المزيد منها، إذ كان المركب يشغل زهاء 12 ألف عامل تاريخ إبرام عقد الشراكة، لكن عددهم تراجع إلى الأقل من النصف تقريبا (في حدود الـ5200 عامل حاليا)، بحسب قوادرية.



"هذه الوضعية الكارثية التي أصبح عليها مجمع الحجار لإنتاج الحديد والصلب بالجزائر، تكلف الخزينة العمومية سنويا مبلغ 10 مليارات دولار كأعباء الصادرات الموجهة لجلب المواد الحديدية من مختلف دول العالم، وعلى رأسها دول أوروبا الشرقية وكذا اسبانيا وتركيا"، على حد قول النائب البرلماني.



وفي هذا الإطار، سارعت الحكومة الجزائرية خلال العامين الأخيرين، إلى البحث عن بديل عن مركب الحجار لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتغطية السوق الوطنية على الأقل حتى عام 2020، من خلال إبرام اتفاقية شراكة مع مؤسسة قطرية، قصد خلق مركب ضخم لإنتاج الحديد بمنطقة بلارة ببلدية الميلية شرقي ولاية جيجل، من شأنه إنتاج 6 ملايين طن من الحديد والفولاذ سنويا، فضلا عن دخول المجمع التركي "طوسيالي"، بمنطقة بتيوة بوهران، غرب البلاد في مرحلة الإنتاج من عام تقريبا بطاقة إنتاجية قدرها 800 ألف طن سنويا.



وبأمل عودة مركب الحجار للنشاط بطاقته الإجمالية أي 2 مليون طن سنويا في السنوات المقبلة بعد تنفيذ برنامج الاستثمار والصيانة، علاوة على تواجد مركب "زهاريات الوسط" بسيدي موسى بالعاصمة والذي تقدر طاقته الإنتاجية بـ600 ألف طن سنويا، ومركب آخر بولاية المسيلة ينتج 400 ألف طن سنويا، ومجمعات وورش أخرى للخواص تنتج مجتمعة ما قدره 400 ألف طن سنويا، من الممكن أن يبلغ إنتاج الحديد والفولاذ بالجزائر سقف الـ12 مليون طن سنة 2020، وفق قوادرية. - Cezayir

In order to provide you with a better service, we position cookies on our site. Your personal data is collected and processed within the scope of KVKK and GDPR. For detailed information, you can review our Data Policy / Disclosure Text. By using our site, you agree to our use of cookies.', '