تركيا:مشروع أردوغان "محاكم الصلح والجزاء" تعمل للحكومة لا للقانون

22.12.2015 13:20

إسطنبول (جيهان) – أتمت محاكم الصلح والجزاء عاما ونصف العام بعد أن أسسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه ووصفها بأنها"مشروع"، رغبة منه في تنفيذ مخططات محددة والسيطرة على جهاز القضاء لترهيب وتخويف معارضيه. وخلال هذه الفترة ارتكبت هذه المحاكم العشرات من الفضائح القانونية، ونفذت كل التعليمات والأوامر.

إسطنبول (جيهان) – أتمت محاكم الصلح والجزاء عاما ونصف العام بعد أن أسسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه ووصفها بأنها"مشروع"، رغبة منه في تنفيذ مخططات محددة والسيطرة على جهاز القضاء لترهيب وتخويف معارضيه.

وخلال هذه الفترة ارتكبت هذه المحاكم العشرات من الفضائح القانونية، ونفذت كل التعليمات والأوامر الصادرة من الحكومة.
وشبّه الرئيس السابق لاتحاد نقابات المحامين ودات أحسن جوشار محاكم مشروع أردوغان بـ"محاكم أمن الدولة" التي تأسست في تركيا في الفترات الماضية، من أجل ترهيب وتخويف معارضي الحكومة. فيما وصفها المحامي أرجين جينمان بأنها "أصبحت عارًا على القانون".

وذكرت صحيفة "أوزجور دوشونجه" (الفكر الحر) التركية في تقرير مطول لها حول هذه المحاكم أن محاكم الصلح والجزاء انتهكت حتى الحقوق الأساسية بسبب القرارات التي أصدرتها. ولفتت إلى أن محاكم الصلح والجزاء التي فتحت جروحًا غائرة يصعب علاجها وتعويضها في نظام العدالة تتعارض مع المبادئ الواردة في الدستور والاتفاقيات الدولية مثل دولة القانون واستقلالية القضاء ومبدأ عدم التمييز بين القضاة.
أردوغان: "محاكم الصلح والجزاء ستتولى إدارة المرحلة"

وتأسست محاكم الصلح والجزاء بتعليمات من الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، بعد سيطرة الحكومة على المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين في أعقاب تحقيقات الفساد والرشوة في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 التي كشفت عن أعمال الفساد والرشوة التي طالت مسؤولين كبارا بحكومة أردوغان وبعض المقربين منه.

وأُدخل قانون التأسيس حيز التنفيذ في 23 يونيو/ حزيران 2014. وقال أردوغان للصحفيين قبل أيام قليلة من تأسيس محاكم الصلح والجزاء: "نعكف حاليًا على تطوير مشروع. إذ نشكّل البنية التحتية لهذا الأمر، وبمجرد الانتهاء منه ستزداد سرعة هذه العمليات. فكما فتحوا بحقنا مئات الدعاوى القضائية، سنقوم نحن أيضًا بفتح مئات وآلاف الدعاوى بحقهم. وعندها ستكتسب المسألة بُعدًا مختلفًا".
واللافت أن الرئيس أردوغان هو أول من أذاع خبر أول عملية قامت بها محاكم الصلح والجزاء. حيث قال في 21 يوليو/ تموز 2014: "تبدأ المرحلة القضائية..فقضاة محاكم الصلح والجزاء سيتولون إدارة هذه المرحلة". وفي صبيحة اليوم التالي، تم اعتقال 115 من رجال الأمن (الذين قاموا بتحقيقات الرشوة والفساد في 17 – 25 ديسنبر 2013) في عملية مداهمة في وقت السحور.
محاكم الصلح والجزاء مخالفة لمبدأ عدم التمييز بين القضاة

وقام المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، في 16 يوليو 2014 عقب صدور قانون تأسيس محاكم الصلح والجزاء، بتجاهل"مبدأ عدم التمييز بين القضاة" المنصوص عليه في القانون وضرب به عرض الحائط، وعيّن في هذه المحاكم الجديدة القضاة الذين أطلقوا سراح رضا ضراب رجل الأعمال التركي من أصل إيراني الذي يعد الاسم الأبرز في عمليات الفساد والرشوة في 17 ديسمبر كما أطلق سراح أبناء الوزراء المتورطين في أعمال الفساد.

وقامت هذه المحاكم باعتقال رجال الأمن الذين تولوا الإشراف على تحقيقات أعمال الفساد 17 و25 ديسمبر بتهمة الضلوع في محاولة الانقلاب على الحكم.

واللافت أن القاضي الذي أطلق سراح 14 من رجال الأمن بينهم ياسين طوبتشو ومحمد عاكف أونر اعتقلت بعد ستة أيام طوبتشو وأونر مرة أخرى بعدما كان أطلق سراحمها لعدم وجود أدلة لإدانتهما.

اختيار قضاة بعينهم

تمت إقالة قضاة محاكم الصلح والجزاء الذين لم يصدروا القرارات التي طلبتها الحكومة منهم. حيث تمت إقالة ثلاثة قضاة بهذه المحاكم رفضوا طلبات الاعتقال في عمليات تضليل الرأي العام في أنقرة بالرغم من أنه لم يمض شهر على تعيينهم. وتم تشريد كمال قرنفيل قاضي الصلح والجزاء بمدينة أسكي شهير إلى مدينة زونجولداق رغم إن ابنه كان مريضا يرقد في المستشفى لأنه تقدم بطلب ضد محاكم الصلح والجزاء بأنها مخالفة للدستور. وبعدها عوقب بإخراجه من السكن الذي كان يسكن فيه.

قال أردوغان: "سيدفع الثمن".. وتم اعتقال الكاتب "جان دوندار"

إن قيام محاكم الصلح والجزاء باعتقال الأشخاص الذين يستهدفهم أردوغان ويعاديهم شخصيا يلخص هدف تأسيس هذه المحاكم. واستهدف أردوغان خلال مشاركته في حوار تليفزيوني على قناة تي أر تي الحكومية في 31 مايو/ أيار 2015 رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" التركية جان دوندار الذي نشر صورًا بشأن شاحنات جهاز المخابرات التركية التي كانت محملة بالأسلحة والذخيرة في طريقها إلى سوريا.
وزعم أردوغان خلال اللقاء أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى تركمان في منطقة باير بوجاق في سوريا، مضيفا "إن تلك الافتراءات الموجهة لجهاز المخابرات هي أعمال تجسس وعمالة، وهذه الصحيفة (جمهوريت) دخلت ضمن هذه الأعمال. وبدوري أصدرت تعليمات للمحامين ورفعت دعوى قضائية مباشرة. والشخص الذي نشر هذه الصور سيدفع الثمن غاليًا، ولن أترك الأمر يمضى هكذا"، على حد قوله.

وتم اعتقال كل من جان دوندار الذي نشر خبرًا وصورًا متعلقة بالشاحنات ومدير مكتب الصحيفة بأنقرة أردم جول في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وعليه تم حبسهما بتهم التجسس على الدولة ومساعدة منظمة إرهابية مسلحة.

تعليمات للمحامي وقرار من القاضي

أدلى الرئيس أردوغان بتصريحات في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي حول صورته التي نشرتها مجلة "نقطة" التركية على غلافها في وقت سابق والتي كان يظهر فيها أردوغان وهو يلتقط صورة "سيلفي" أثناء تشييع جنازة الشهداء. وعلّق أردوغان حينها قائلا "إن الذين نشروا هذا الغلاف، انظروا إنني أتحدث بلهجة ثقيلة، هم معدومي الشرف وسفلة ويعرفون شخصيتي جيدًا جدًا. ومن ثم سأفعل اللازم بخصوص هذا الموضوع. وأصدرت التعليمات اللازمة للمحامين في إطار القانون".

وعليه تمت مداهمة المجلة بقرار من محكمة الصلح والجزاء. كما تم جمع عدد المجلة من الأسواق، وتم حظر الوصول إلى موقعها الإلكتروني، واعتقال مدير التحرير.

أردوغان: "سنجتث تويتر من جذوره"

واستهدف الرئيس أردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء، موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في لقاء جماهيري نظمه في مدينة بورصا شمال غرب البلاد في 21 مارس/ آذار 2014. حيث أبدى ردة فعل على توتير الذي انشرت فيه ادعاءات الفساد والرشوة التي طالت حكومته آنذاك قائلا "سنجتث توتير وما شابهه من جذوره".

وقررت محكمة الصلح والجزاء في نفس اليوم بحظر الوصول إلى توتير. إلا أن المحكمة الدستورية ألغت قرار الحظر.
أردوغان: "إطلاق سراح العسكريين أمر يبعث على الدهشة"

وأبدى أردوغان ردة فعل على إطلاق سراح العسكريين في معرض حديثه عن واقعة توقيف شاحنات جهاز المخابرات التي تم ضبطها في أثناء نقلها أسلحة إلى سوريا. وقال أردوغان "إن إطلاق سراح هؤلاء المشتبه فيهم الموجود ضدهم أدلة دامغة لإدانتهم هو أمر يبعث على الدهشة حقًّا. انظروا إنه يتم اتخاذ قرارات لصالح الجواسيس والخونة في مدينة أضنه (حيث تم توقيف الشاحنات). إلى متى سيبقى المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين صامتًا ومكتوف الأيدي حيال هذه الفوضى والجريمة القانونية". وبعد مرور بضعة أشهر من كلمة أردوغان تم اعتقال وحبس العسكريين الذين أوقفوا الشاحنات أولا ثم المدعين العامين الذين تولوا الإشراف على التحقيقات.

أردوغان لمدع عام: "انتظر حسابنا لم ينته معك بعد"

قام معمر أق كاش أحد مدعي العموم الذين كشفوا عن أعمال الفساد التي طالت مسؤولين بحكومة أردوغان بتوزيع بيان صحفي أمام القصر العدلي في تشاغلايان بإسطنبول بعدما تم سحب ملف التحقيق منه، وأعلن أنه تمت الحيلولة دون التحقيقات ولم يتم تنفيذ قرارات المحكمة. غير أن أردوغان استهدف أق كاش قائلا "فلتنتظر فحسابانا معك لم ينته بعدُ". وبعد مرور فترة على تصريحات أردوغان تمت إقالة أق كاش أولا، وبعدها تم إخراجه من المهنة. وتم إصدار قرار باعتقاله في سبتمبر 2015.

لا فارق بين محاكم الصلح والجزاء ومحاكم أمن الدولة

وقال الرئيس السابق لاتحاد نقابات المحامين في تركيا المحامي وداد أحسن جوشار إن محاكم الصلح والجزاء حلّت مكان المحاكم الخاصة التابعة لمحاكم أمن الدولة، ولم يتغير إلا الاسم فقط، لكن العقلية والإجراءات لم تتغير. وبالمناسبة محاكم الصلح والجزاء مخالفة لمبدأ القاضي الطبيعي؛ بمعنى أن إجراءتها الحالية لا تختلف عن قرارات المحاكم السابقة، فكما تم انتهاك الحقوق والحريات وظلم الناس بيد تلك المحاكم في الماضي فالأمر نفسه يحدث اليوم بيد محاكم الصلح والجزاء. وكما تم انتهاك الحقوق التي يكفلها الدستور والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب المحاكم الخاصة ومحاكم أمن الدولة فسيتم الموافقة على قرارات محاكم الصلح والجزاء –أيضًا- عندما تُقدم للمحكمة الأوروبية.

محاكم الصلح والجزاء ستكون عبرة في القانون الدولي

واعتبر المحامي أرجين جينمان أن محاكم الصلح والجزاء عار على القانون التركي. وقال إنها أداة الظلم التي تستخدمها الحكومة، مضيفا "أمارس مهنة المحاماة منذ سنوات طويلة. ولم أقل هذا عن محاكم الأحكام العرفية في أعقاب انقلاب 12 سبتمبر. لكني أرى أن محاكم الصلح والجزاء سيتم الحديث عنها في القانون الدولي على أنه عبرة في المستقبل بالنسبة للقانون التركي".

القوات غير المسلحة للحزب الحاكم

وقال رئيس اتحاد القضاة ومدعي العموم مراد أرصلان إن محاكم العقوبات المشددة الجديدة المشكلة تحت اسم محاكم الصلح والجزاء والاختصاص، التي بدأت بالمحاكم العرفية في النظام القضائي التركي واستمرت بالمحاكم الخاصة ومحاكم أمن الدولة، هي الحلقة الأخيرة من قافلة المحاكم الخاصة التي استخدمتها الحكومات السابقة كأداة لترويع وتخويف معارضيها وتقسيم المجتمع.لقد تم تشكيل قوات غير المسلحة لصالح الحكومة.

القضاء على حق التملك

- أقدمت محاكم الصلح والجزاء على قرارات غير قانونية طالت رجال الأعمال في إطار سفسطة "الكيان الموازي" المزعوم.
- تم اعتقال المدير التنفيذي لشركة "بويداق" القابضة ممدوح بويداق عضو جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك"توسياد".
- تمت مصادرة مجموعة "كوزا-إيبك" وتعيين أوصياء على 22 شركة تابعة لها من بينها صحيفة "بوجون" وقناتي "بوجون تي في" و"قنال تُرك تي في".

- تم اعتقال حازم سيسلي صاحب شركة "سيسلي تكستيل (النسيج)" إحدى أكبر شركات المنسوجات في أوروبا وتركيا.
- فُرضت وصاية على مجموعة "كايناك للنشر" التي تضم 23 شركة تقدم فرص عمل لآلاف الأشخاص في 16 قطاعًا مختلفًا بالرغم من عدم وجود أية أدلة ملموسة.

عمليات الاعتقال للمتبرعين بالمنح الدراسية

- تم اعتقال العديد من الأشخاص المحبين لحركة الخدمة في عموم تركيا بدعوى تقديمهم منحا دراسية للطلاب ومساعدة الفقراء. وتم تكبيل السيدات المحجبات بالقيود في مدينة مانيسا غرب البلاد بنفس الأسباب.
- رفع أكثر من ألف و300 دعوى قضائية بدعوى الإساءة إلى الرئيس أردوغان. وتم اعتقال العشرات من الناس من قبل محاكم الصلح والجزاء.











In order to provide you with a better service, we position cookies on our site. Your personal data is collected and processed within the scope of KVKK and GDPR. For detailed information, you can review our Data Policy / Disclosure Text. By using our site, you agree to our use of cookies.', '