Haberler      English      العربية      Pусский      Kurdî      Türkçe
  Haberler.com - آخر الأخبار
البحث في الأخبار:
  منزل 19/04/2024 23:47 
News  > 

التجربة الديمقراطية التونسية..من دستور"قرطاج"..إلى دستور"الثورة"

09.01.2014 11:03

تونس/رضا التمتام/الأناضول ـ.

تونس/رضا التمتام/الأناضول ـ



تعود تجربة التونسيين مع صياغة الدساتير، والتنظّم المدني إلى حوالي تسعة قرون ما قبل الميلاد، مع تأسيس الحضارة القرطاجية بالسواحل الشمالية لتونس على يد "عليسة" الفينيقية، ابنة ملك صور وملكة قرطاج الأولى، الأمر الذي ساهم في تركيز قيم المدنية والجمهورية مبّكرا في هذا البلد المتوسطي، وخلق لدى سكّانه توقا مستمرا نحو ثقافة التحضّر والسعي الدائم إلى التنظّم الاجتماعي والسياسي.



كان للحضارة القرطاجية التي أسستها "عليسة" عام 814 قبل الميلاد، بشمال إفريقيا صيتا واسعا في حوض البحر الأبيض المتوسط ونجاحا تجاريا وعسكريا أّهّلها لأن تتبوأ المكانة المميّزة بين الحضارات التي أسست لتاريخ البشرية الحديث.



إلاّ أن هذا النجاح العسكري والتجاري، يعود أساسا بحسب المؤرخين، إلى التقنيات المبتكرة من قبل القرطاجيين في ضبط إيقاع مجتمعاتهم وخلق مساحة شاسعة من التشاور والتداول السلمي على السلطة من خلال صياغة أولى الدساتير المكتوبة في الدنيا.



لقد نظّم دستور قرطاج العمل السياسي ومثّل العقد الإجتماعي الضابط لتفاعلات الحضارة القرطاجية كلّها، إذ نظّم الحكم بصفة متوازنة ومكّن سكّان الإمبراطوية من ممارسة سلطة ديمقراطية مباشرة أو غير مباشرة.



وتشكّل بموجب الدستور، مجلس الشيوخ الذّي ضمّ 300 عضو وقع انتخابهم من قبل الشعب، إلى جانب عدد من المجالس الشعبية والهياكل المنظمّة تشارك في ممارسة السلطة العامّة، فضلا عن مؤسسة القضاء للنظر في النزاعات.



ووصف الفيلسوف الإغريقي أرسطو في كتابه الشهير "السياسة" دستور قرطاج، بأنه "أفضل الدساتير التي كتبت"، وفضّله على دستور "اسبرطة" اليونانية، معتبرا أنه "كان للقرطاجيين بدورهم تنظيمات سياسية وطنية، وهي من نواح عديدة أفضل من تنظيمات الشعوب الأخرى".



وساهم الدستور القرطاجي منذ فجر التاريخ، في خلق أثر فعال في ضبط عمليٍ لآليات التنظّم السياسي وممارسة السلطة، مما جعله أن يكون موروثا لقيم الديمقراطية والجمهورية في تونس منذ أمد بعيد.



في ذات السيّاق يعتبر المراقبون أن الطابع السلمي للثورة التونسية منذ 3 سنوات، جعلها  تتميّزعن غيرها من ثورات العصر الحديث، وأكّد القيم الإنسانية العالية لدى الشعب التونسي وجنوحه إلى الآليات السلمية في التفاعل مع محيطه السياسي والإجتماعي.



كثير من المتابعين اعتبروا الحراك الشعبي السلمي في تونس لإسقاط أحد الأنظمة الديكتاتورية بالمنطقة دليلا قاطعا على تشبّع التونسيين بثقافة الجمهورية والديمقراطية التي ترسّخت قيمها على أرض هذا البلد منذ 8 قرون قبل الميلاد.



في العصر الحديث كان للتونسيين مرّة أخرى سبق مقارنة بذويهم من سكان المنطقة العربية والإفريقية، نحو صياغة الدساتير أشكال والعقود الاجتماعية والمواثيق المنظمة للحياة السياسية .



إذ عرفت تونس منتصف القرن التاسع عشر إصدار وثيقة  "عهد الأمان" التي نصّت على أحدث المبادئ والقيم لأشكال التنظيم السياسي.



وقد أصدر والي تونس، محمد باي (المملكة الحسينية)، في الـ10 من سبتمبر/أيلول 1857، وثيقة "عهد الأمان" التي تنص على على قيم المساواة والعدل ومبادئ الحقوق والحرّيات.



وجاءت وثيقة عهد الأمان التي كانت بمثابة "عقد اجتماعي" نتيجة حركة إصلاحية عرفتها تونس منذ نهاية القرن الـ18 عن طريق جملة من المصلحين على غرار أحمد بن أبي ضياف، وخير الدّين باشا، كما أن الضغوطات الغربية على الباي (حاكم البلاد) كان لها وقع في إصدار هذه الوثيقة.



وتكوّنت وثيقة عهد الأمان التي مثّلت سبقا للتونسيين نحو قيم الجمهورية، من ديباجة و 11 مادّة دعت أساسا إلى ترسيخ المساواة بين سكان المملكة الحسينية التي كانت تتبع الإمبراطورية العثمانية ذاك الزمن.



ومن أبرز هذه المواد:  



المادة الأولى : تأكيد الأمان لسائر رعيّتنا وسكان إيالتنا (ولايتنا) على اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرّمة وأموالهم المحرّمة وأعراضهم المحترمة إلاّ بحقّ يوجبه نظر المجلس بالمشورة ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن أو الإذن بإعادة النظر.



الثانية: تساوي الناس في أصل قانون الأداء المرتّب أو ما يترتّب وإن اختلف باختلاف الكميّة بحيث لا يسقط القانون عن العظيم لعظمته ولا يحطّ عن الحقير لحقارته ويأتي بيانه موضّحا.



الثالثة: التسوية بين المسلم وغيره من سكّان الإيالة في استحقاق الإنصاف لأنّ إستحقاقه لذلك بوصف الإنسانيّة لا بغيره من الأوصاف والعدل في الأرض هو الميزان المستوي يؤخذ



به للمحقّ من المبطل وللضعيف من القويّ.



الرابعة : إنّ الذمي (المسيحي أو اليهودي) من رعيّتنا لا يجبر على تبديل دينه ولا يُمْنَعُ من إجراء ما يلزم ديانته ولا تمتهن مجامعهم ويكون لها الأمان من الإذاية والإمتهان لأنّ ذمّته تقتضي أنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا.



وشهدت تونس أيضا وبعد أربع سنوات من إصدار وثيقة عهد الامان صياغة أوّل دستور في الوطن العربي، الذي بدأ العمل به في الـ26 من أبريل/نيسان 1861.



وتضمن الدستور الجديد مبادئ عامّة لتنظيم الحياة السياسية ومواد تكرّس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية).



كما قام بتحديد سلطة الباي من خلال إنشاء "المجلس الأكبر" من 60 عضوا معيّنين لمدة 5 سنوات والذّي مثّلة سلطة منافسة لسلطة الباي.



وأقرّت بنود الدستور تشكيل شبكة من المحاكم العصرية في مختلف مناطق المملكة .



ومثّل دستور 1861 مرجعية أساسية لبناء أركان الدولة الحديثة في تونس، ومنطلقا لمبادئ النضال الوطني والكفاح ضد المستعمر الفرنسي منذ عام 1881، إذ وقع إطلاق تسمية "الحزب الحرّ الدستوري" على أوّل حزب يقع تشكيله في تاريخ تونس عام 1920 والذي ساهم في نيل الاستقلال عام 1956.



ومباشرة بعد الاستقلال التونسي عن الاستعمار الفرنسي، تمّ إنتخاب "المجلس القومي التأسيسي" الذي أعدّ دستورا جديدا للبلاد عام 1959 وأنهى الحكم الملكي مؤسسا دولة الجمهورية التونسية برئاسة الحبيب بورقيبة .



وتواصل العمل بدستور عام 1959 إلى حين قيام الثورة التونسية ضد نظام زين العابدين بن علي، حيث دعت لإنهاء العمل بالدستور الجديد بعد أن أدخل عليه نظامي زين العابدين بن علي والجبيب بورقية جملة من التنقيحات التي زادت في صلاحياتهم وكرّست الديكتاتورية .



أمّا اليوم، فقد انتخب التونسيون في أكتوبر/تشرين الأول 2011 ، 217 نائبا لتمثيلهم في كتابة دستور جديد للبلاد من المنتظر أن تتم المصادقة عله منتصف الشهر الجاري، ليمثّل إضافة جديدة في تجربة ديمقراطية تعود لآلاف السنين. - Tunus



 
Latest News





 
 
Top News