Haberler      English      العربية      Pусский      Kurdî      Türkçe
  Haberler.com - آخر الأخبار
البحث في الأخبار:
  منزل 25/04/2024 07:56 
News  > 

"بيروت المحروسة".. تاريخ من "النكبات"

11.08.2020 09:56

المؤرخ اللبناني الدكتور حسان حلاق للأناضول: التدمير الراهن للمرفأ جراء الانفجار هو الثاني بعد قصف بحري إيطالي في العهد العثماني بيروت عانت خلال قرون من زلازل وطاعون ومجاعة واحتلالات واغتيالات وحرب أهلية العاصمة اللبنانية لم تنعم سوى بفترات قصيرة من الهدوء والتنمية.

يوسف حسين/ الأناضول

عبر تاريخها القديم والحديث، تعرضت العاصمة بيروت لكوارث ومحن ونكبات عديدة، ولعل "نكبة" انفجار المرفأ هي الأكثر إيلاما لها، مع اقتراب مئوية تأسيس دولة لبنان الأولى، أي منذ إنشاء دولة "لبنان الكبير" عام 1920.

ففي 4 أغسطس/آب الجاري، قضت بيروت ليلة دامية؛ جراء انفجار ضخم في مرفأ المدينة، خلف 163 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تُقدر بنحو 15 مليار دولار، وفقا لأرقام رسمية غير نهائية.

وسبق أن تعرضت بيروت لزلازل وحروب واغتيالات واحتلالات، بداية من "الزلازل الكبيرة"، التي ضربتها في القرن السادس بعد الميلاد، مرورا بالاحتلال الإسرائيلي والحرب الأهلية، وصولا إلى اغتيال رفيق الحريري، وبعده انفجار المرفأ.

** قصف إيطالي

وفق المؤرخ اللبناني، الدكتور حسان حلاق، في مقابلة مع الأناضول، فإن "هذه ليست المرة الأولى التي يتدمر بها مرفأ بيروت".

وأضاف: "في عهد الدولة العثمانية (1299 - 1923)، بعد أن علم البيارتة (أهل بيروت) أن الإيطاليين احتلوا طرابلس الغرب عام 1912، تطوع 300 شاب، وتوجهوا مع أسلحتهم وعتادهم إلى العاصمة الليبية لمساعدة الدولة العثمانية".

وأضاف: "على الفور أتى الأسطول الإيطالي وقصف مرفأ بيروت، فدمره تدميرا شاملا، ودمر باخرة عسكرية تركية كانت موجودة تُعرف باسم (عون الله)، كما تضرر البنك العثماني قرب المرفأ، والفنادق التي كانت تُعرف باسم الخانات".

** زلازل عديدة

"بيروت المحروسة" هو "لقب استُخدم في العهد العثماني لمئات السنين"، وفق المؤرخ اللبناني.

وقال حلاق إن "بيروت المحروسة تعرضت لنكبات وكوارث، في مقدمتها الزلازل الشهيرة في القرن السادس (بعد الميلاد).. حتى قبل الحكم العربي الإسلامي كان لها سور.. تعرضت لتسعة زلازل في سنوات مختلفة، ولذلك البيارتة كانوا يتركون هذه المنطقة المعرضة باستمرار للزلازل".

وأردف: "منذ تلك القرون إلى التاريخ الحديث والمعاصر تعرضت المدينة أيضا لزلازل، لكن ليست كالقديمة.. يذكر اللبنانيون والبيارتة عندما تعرضت بيروت لزلزال كبير عام 1956، انهارت أبنية قديمة ومدارس وغيرها".

** غزو ومعاناة

كما أن بيروت، بحسب حلاق، "من المدن التي تعرضت للغزو مرارا، منذ عهد الفراعنة والأشوريين والبابليين والأكاديين والفرس والرومان واليونان والدولة البيزنطية، الذين اجتاحوا بيروت، فعانت من ويلات تلك الموجات القادمة من الشرق والغرب".

وأفاد بأن "بيروت نعمت بهدوء واستقرار عند الفتوحات العربية والإسلامية، ثم تعرضت مجددا لكوارث في العصور الوسطى، عندما تم احتلال بلاد الشام وبيروت من جانب الحملات الصليبية، حيث عانت بيروت كثيرا في تلك الفترة".

** طاعون ومجاعة

و"مر على بيروت ظروف صحية مشابهة لليوم، حيث نعيش والعالم كله اليوم في ظل ظروف صحية (جائحة كورونا)"، وفق حلاق.

وأوضح: "ففي منتصف القرن التاسع عشر تعرضت لموجات الطاعون القادم من أوروبا ومناطق متعددة، وتم إنشاء ما عُرف بالكرنتينا، أي المحجر الصحي لمدة أربعين يوما، وتوفي الكثيرون جراء هذا المرض، وفي الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) حصلت مجاعة في بيروت وبلاد الشام".

واستطرد: "من الأحداث المهمة جدا في عهد الدولة العثمانية، وتحديدا عام 1888، هو إصدر السلطان عبد الحميد الثاني (1842 - 1918) فرمانا بتحويل بيروت إلى ولاية، بعد أن كانت أحيانا تتبع دمشق وأحيانا طرابلس وأحيانا صيدا".

وأردف: "السلطان عبد الحميد كان يحب بيروت وأهلها كثيرا، وهنا أقول إن الجنرال الفرنسي (هنري جوزيف) غورو ليس أول من جعل بيروت عاصمة للبنان، بل السلطان عبدالحميد هو من جعلها عاصمة لولاية أكبر من لبنان الكبير، تمتد شمالا إلى اللاذقية وجنوبا إلى نابلس".

** احتلال فرنسي

بعدها، "حصل الاحتلال الفرنسي للبنان عام 1918 (حتى 1943)، وبعد سنتين أعلن الجنرال غورو فصل لبنان عن سوريا، وتأسيس لبنان الكبير عام 1920، أي منذ مئة عام.. ولبنان كان يتحضر للاحتفال بمرور مئة عام على دولة لبنان الكبير (حين حل انفجار المرفأ)"، بحسب حلاق.

وفي 1 سبتمبر/ أيلول 1920، أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، وبينها سوريا ولبنان، معلنا بيروت عاصمة له، وتمثل علم الدولة آنذاك في العلم الفرنسي ووسطه شجرة "الأرز" اللبنانية.

** اعتداءات إسرائيلية

استطرد حلاق: "عام 1948، في عهد الرئيس بشارة الخوري، وبعد الخروج الفرنسي من لبنان، حدثت نكبة فلسطين (قيام دولة إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة)، والتي أثرت على بيروت بشكل كبير، وبقيت متأثرة لغاية اليوم، وخصوصا لغاية الأحداث اللبنانية بين 1975 و1990 (الحرب الأهلية)".

وزاد بأنه "في (مايو) أيار 1958، بعهد الرئيس كميل شمعون، حصلت ثورة بسبب سياسته مع الغرب، وكان ضد الوحدة بين مصر وسوريا والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (1918 - 1970)، ما جعل الشعب اللبناني يقوم بثورة، خصوصا أنه ظهرت بوادر على أن شمعون يريد أن يجدد (لنفسه) 6 سنوات أخرى (في الرئاسة)".

كما "تأثرت بيروت بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ومصر وسوريا، عام 1967، حيث حصل نزوح فلسطيني، وفي 1970 حصل نزوح فلسطيني من الأردن وبعض المناطق إلى بيروت وضواحيها"، بحسب حلاق.

وتابع: "عام 1968، تحت حجج وجود المقاومة الفلسطينية في بيروت، شن الكيان الصهيوني (إسرائيل) اعتداءات على مطار بيروت ودمر طائرات لشركة طيران الشرق الأوسط (اللبنانية) وأصبح أسطولها مدمرا، بزعم أن هذا المطار ينتقل منه فدائيون إلى عواصم العالم لشن هجمات ضد سفارات إسرائيلية".

وأردف: "عام 1973 أتت مجموعة كوماندوز (قوات خاصة) إسرائيلية من شواطئ البحر، ونفذت عمليات وتم اغتيال 3 من القيادات الفلسطينية المهمة جدا، هذا العنوان أثر مباشرة في بيروت ولبنان والعالم العربي، وأدى إلى استقالة رئيس الحكومة، صائب سلام".

** حرب أهلية

وقال حلاق إنه "في 13 (أبريل) نيسان 1975 حدث في منطقة عين الرمانة ببيروت حادثة غيرت الكثير وتأثرت بها المدينة.. هذه الحادثة امتدت من 1975 حتى 1990.. حصل حرب أهلية لها طابع لبناني، وطابع لبناني فلسطيني، وطابع إقليمي ودولي وعربي، ودُمرت بيروت تدميرا نهائيا، لا سيما الوسط التجاري، وأدت الحرب إلى تهجير مئات الآلاف من اللبنانيين، وهو تهجير طائفي مذهبي من منطقة إلى أخرى".

وحادثة "عين الرمانة" هي إطلاق نار على "حافلة" كانت تقل أعضاء من منظمة التحرير الفلسطينية، ما أسقط 27 قتيلا، لتكون الشرارة الأولى للحرب الأهلية.

وأردف: "خلال هذه الفترة وقعت أحداث مهمة، منها الاجتياح الإسرائيلي للبنان، الذي وصل إلى بيروت (1982)، لتصبح أول عاصمة عربية تتعرض لاحتلال إسرائيلي استمر لشهور إلى أن قامت المقاومة الوطنية اللبنانية باغتيالات لبعض الضباط والأفراد الإسرائيليين، واضطروا للانسحاب من بيروت، وعادوا إلى الجنوب".

وأشار إلى أنه "خلال وجود الجيش الإسرائيلي في بيروت، انتُخب بشير الجميل رئيسا للجمهورية في (سبتمبر) أيلول 1982، وبعد أيام اغتيل.. هذا زلزال جديد شهدته بيروت، وهذا ما أدى إلى ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا بحق أبرياء، وانتخب مكانه شقيقه أمين الجميل".

وهذه المجازر هي مذابح نُفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، في 16 سبتمبر/ أيلول 1982، واستمرت ثلاثة أيام، على أيدي الجيش الإسرائيلي ومجموعات لبنانية، تمثلت بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي (الحليف لإسرائيل)، وقُدر عدد القتلى بين 750 و3500 قتيل، أغلبيتهم من الفلسطينيين.

واستطرد حلاق: "عام 1988، عند انتهاء ولاية أمين الجميل، لم يحصل اتفاق على انتخاب بديل عنه، عندها تسلم قائد الجيش آنذاك (الرئيس الحالي) ميشال عون الحكم لمدة سنتين كرئيس للوزراء".

وتابع: "وفي الوقت نفسه كان هناك رئيس وزراء آخر، هو سليم الحص.. كان في بيروت، لأول مرة في تاريخها، حكومتان ورئيسان للوزراء، ثم انتُخب الرئيس رينيه معوض، وبعد أيام اغتيل في منطقة الصنائع ببيروت، ليُنتخب مكانه الرئيس إلياس الهراوي".

وأشار إلى أنه "في فترة حكم عون حصل حدث كبير، حيث جرى اغتيال المفتي الشهيد حسن خالد قرب دار الفتوى ببيروت.. بيروت كانت حزينة جدا في تلك الفترة لاغتيال خالد، فهو رجل تميز بالجرأة والقوة".

** اغتيال الحريري

رأى حلاق أن "بيروت لم ترتح نهائيا حتى نهاية الحرب عام 1990، شهدت فترة هدوء واستقرار ونهوض وتنمية وإعمار في عهد رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري، الذي أعاد حركة بناء الوسط التجاري في بيروت، وأنشأ الجسور والأنفاق ووسع مطار بيروت واهتم بالمرفأ".

وأضاف: "الزلزال، الذي دمر بيروت معنويا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هو اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 (فبراير) شباط 2005.. كان زلزالا مدمرا لبيروت ولبنان، ومنذ ذاك التاريخ لا راحة لبيروت ولبنان، وهناك تراجعات مستمرة على كل الصعد".

ومن المقرر أن تصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في 18 أغسطس/آب الجاري، حكمها بحق المتهمين باغتيال الحريري (1944 - 2005)، وهم سليم عياش (مسؤول بجماعة "حزب الله" اللبنانية- هارب) وآخرون. وينفي "حزب الله"، حليف إيران والنظام السوري، أي صلة له باغتيال الحريري.

وزاد حلاق بأنه: "بعد استشهاد الحريري (في تفجير استهدف موكبه وسط بيروت)، حصلت تطورات مهمة، أهمها حرب (يوليو) تموز 2006، حيث حصل عدوان إسرائيلي على لبنان وبقي حتى (أغسطس) آب، وهذا أثر بواقع بيروت وواقع لبنان".

وختم بقوله: "وأخيرا الانفجار في المرفأ، في 4 أغسطس 2020.. بيروت لم تشهد، ولا لبنان في تاريخه الحديث والمعاصر، زلزالا كارثيا كهذا الزلزال، الذي دمر الكثير من المناطق البيروتية في شرقها وغربها ووسطها التجاري، وما من بيروتي إلا وتضرر".

ووفق تقديرات رسمية أولية، وقع انفجار المرفأ في عنبر 12، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مُصادرة ومُخزنة منذ عام 2014.

ودفع الانفجار حكومة حسان دياب إلى الاستقالة، الإثنين، بعد أن حلت منذ 11 فبراير/ شباط الماضي محل حكومة سعد الحريري، التي أجبرتها احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية على الاستقالة، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويزيد انفجار المرفأ من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، من تداعيات أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، وكذلك من استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية. -



 
Latest News





 
 
Top News