Haberler      English      العربية      Pусский      Kurdî      Türkçe
  Haberler.com - آخر الأخبار
البحث في الأخبار:
  منزل 19/04/2024 04:50 
News  > 

الإمارات والحرب على الربيع العربي.. هل تنجو تونس من حلف الثورات المضادة؟

04.06.2020 13:41

مقال لسيف الإسلام عيد، الباحث ببرنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

الأناضول

دأبت السياسة الخارجية لدولة الإمارات منذ بداية الربيع العربي في ٢٠١١ على مساندة النظم السلطوية وتقديم الدعم بمختلف أشكاله وأنواعه لأطراف لم تأت بها الخيارات الديمقراطية، حتى اعتبرت مساندة الانقلابات العسكرية والأطراف الخارجة عن المسار الديمقراطي والمعادية له خطًا ناظمًا لتلك السياسة.

وقد بدأت أولى محطات تقويض المسارات الديمقراطية في الدول العربية بدعم انقلاب السيسي في مصر على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي في يوليو ٢٠١٣، من خلال تقديم الدعم المالي والغطاء الإعلامي والدولي للتغطية على جرائم نظام السيسي، وتلعب الإمارات منذ ذلك الحين دورًا كبيرًا في رسم سياسات نظام السيسي وتوجيهه خارجيًا وحتى داخليًا.



واتبعت الإمارات سياسة خارجية لها استراتيجية تقوم على 3 محاور كما يشير خليل العناني أستاذ العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية: أولها السعي للقضاء على الثورات العربية في أهم مراكزها مصر عبر تحالفات مع القوى المناوئة للديمقراطية.

وثاني تلك المحاور التأثير على القوى الإقليمية في المنطقة لمحاولة وضعها تحت التأثير الإماراتي فتم ذلك أولًا في مصر ومن ثم في السعودية من خلال استغلال الأزمة داخل الأسرة الحاكمة، وثالثها محاصرة الدول الداعمة للربيع العربي لذا كان واضحًا حجم التأييد الإعلامي لمحاولة انقلاب يوليو/ تموز في تركيا 2016، ناهيك عن الحديث عن دعم غير معلن لأطراف شاركت في الانقلاب، وكذلك المشاركة في حصار قطر في 2017.

** معاداة الربيع العربي:

بهذه الطريقة عمدت السياسة الخارجية الإماراتية إلى توسيع نطاق نفوذها في الدول التي شهدت ثورات شعبية ضد النظم السلطوية التي عاشت سنين استقرار رخو مرهون بالتبعية لقوى دولية من جهة وبالقبضة الأمنية القمعية ضد معارضيها من جهة أخرى.

ولم يشمل النفوذ الإماراتي مصر وحدها، ولكن وسّعت أبو ظبي من تأثيرها بالتدخل في اليمن من خلال التحالف الذى أقامته مع السعودية في ٢٠١٥ وبدا جليًا مآربها وأطماعها في اليمن من خلال احتلال جزيرة سقطرى وإقامة السجون السرية في عدن.

كما عملت أبو ظبي على تمويل الجماعات المسلحة الخارجة عن الشرعية اليمنية ودعم انفصال الجنوب فيما سمي "المجلس الانتقالي الجنوبي" في ٢٠١٧ وزعزعة أي مزاعم حل سياسي لتحقيق أطماعها التوسعية، وإدخال البلاد في حالة من الفوضى لم تنجح معها المخططات الإماراتية في تحقيق أهدافها، وكذلك لم تنجح اليمن في التخلص من حالة الاقتتال الداخلي المدعوم من عدة أطراف خارجية.

ولم يختلف الأمر كثيرًا في ليبيا التي قدّمت فيها أبو ظبي دعمًا عسكريًا ولوجستيا وإعلاميًا ودبلوماسيًا منقطع النظير للجنرال الانقلابي خليفة حفتر منذ ٢٠١٤ إلى اليوم ضد حكومة الوفاق التي تتمتع بالشرعية الدولية.

ورغم الدعم المعلن لحفتر لم يستطع تحقيق أي انتصارات عسكرية تُذكر إلا على صعيد قصف المدنيين في طرابلس، وكانت آخر الهزائم العسكرية لحفتر وخاصة مع سقوط قاعدة الوطية الجوية(غرب) على أيدي قوات حكومة الوفاق الشرعية شاهدة على حجم الدعم العسكري المقدم لحفتر من الجانب الإماراتي من حيث كم ونوع السلاح الذي تم اغتنامه إثر سقوط القاعدة الجوية.

** هل تكون تونس استثناء؟



اعتبرت تونس الحالة الاستثنائية الوحيدة في بلدان الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي التي نجحت في السير على مسار تحقيق الانتقال الديمقراطي والنجاة من فخ الثورات المضادة ورغم الكثير من العثرات والخلافات الداخلية إلا أن التجربة التونسية لا تزال قادرة على تصحيح مسارها الديمقراطي بنفسها.

وإن كان المفكر عزمي بشارة يُجمل أسباب نجاح الثورة التونسية في تحقيق انتقال ديمقراطي إلى عدة أسباب أهمها: عدم وجود أجندة سياسية للجيش التونسي طامحة في الحكم، والثقافة السياسية للنخب من المعارضة ومن النظام القديم التي نجحت في الاتفاق على مبادئ الانتقال الديمقراطي، إضافة إلى العامل الخارجي الذي لم يؤثر بشكل كبير على التجربة التونسية ويرجع ذلك لتأثيرها الجيوستراتيجي المحدود مقارنة بدول عربية أخرى كمصر أعاقها موقعها الجيوستراتيجي وقوة العامل الخارجي من تحقيق انتقال ديمقراطي بنفس الدرجة التي حققتها تونس.

إلا أنه لم يعد الحديث عن ضعف العامل الخارجي في محاولات تقويض المسار الديمقراطي في تونس مجديًا وخاصة بعد أحاديث متكررة لمسؤولين رسميين وصحفيين عن محاولات حقيقية للتأثير على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس بالسلب وتحاول القضاء على أطراف معينة لها خصومة فكرية وسياسية معها لعل أبرزها "حركة النهضة" الإسلامية.

وكان آخر تلك المحاولات تشكيل ما يشبه "جبهة إنقاذ وطنية" على غرار جبهة الانقاذ المصرية التي عملت كظهير مدني للانقلاب العسكري في مصر في ٢٠١٣ قبل أن ينقلب العسكر ايضا على أهم رموزها، إضافة إلى إثارة الاتهامات التي كانت تستهدف بشكل مباشر حركة النهضة الإسلامية، القريبة فكريًا من جماعة الإخوان المسلمين.

وأُثيرت في الأيام الأخيرة بشكل مباشر اتهامات ضد زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، جاءت بعد رسائل متبادلة بينه وبين "فايز السراج" رئيس الحكومة الليبية عقب تحقيق انتصار عسكري واسترداد قاعدة الوطية الجوية من خليفة حفتر الذي يتلقى دعمًا مباشرًا من الإمارات، الأمر الذي استدعى الغنوشى للمثول أمام لجان مختصة للكشف عن ثروته المالية وتبرئة ذمته أمام تلك الحملات الإعلامية التي اشتدت في الآونة الأخيرة.



تزامنت هذه الحملة في الداخل التونسي مع حملات إعلامية خارجية قادتها مؤسسات إعلامية محسوبة بشكل مباشر على الإمارات وتتبع خطها الناظم في معاداة الربيع العربي تحاول إلصاق تهمة الإرهاب -تهمة من لا تهمة له- بحركة النهضة التونسية خاصة بعد رسالة "الغنوشي" إلى "السراج"، ولكن هل هذه الحملات على تونس جديدة؟ بالطبع لا..

تكررت التلميحات والتصريحات من سياسيين تونسيين عن رغبات إماراتية في إسقاط المسار الديمقراطي التونسي وتصنيف حركة النهضة كحركة إرهابية على غرار جماعة الإخوان المسلمين، وفي يناير ٢٠١٩ صرّح الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي عن محاولات إماراتية سابقة لإسقاط الحكومة التونسية من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة الإرهابية واستخدام المال الفاسد والإعلام الفاسد.

وفي يوليو من نفس العام(٢٠١٩) تحدث السياسي التونسي وأحد مؤسسي حزب نداء تونس عمر صحابو عن ما يمكن اعتباره مشكلة بنيوية للإمارات مع المسار الديمقراطي في تونس وخشية أبو ظبي من أن يكون النموذج التونسي محط أنظار المتطلعين للديمقراطية من الدول العربية.

وكان موقع "موند أفريك" الفرنسي المتخصص بالشؤون الإفريقية قد نقل في ٢٠١٨ عن مصادر دبلوماسية غربية أن وزير الداخلية التونسي المُقال "لطفي براهم" كان قد التقى سرًا بمدير المخابرات الإماراتية وخططا معًا لانقلاب على السلطة، على نفس طريقة انقلاب "بن علي" على "بورقيبة" في ١٩٨٧، يُعزل بموجبه الرئيس آنذاك "السبسي" رئيس الوزراء "يوسف الشاهد" ومن ثم تبدأ حملة قمعية على حركة النهضة تحت مزاعم الإرهاب مثلما حدث مع إخوان مصر.



** الإمارات وفزّاعة الإسلاميين: هل تُستثنى النهضة؟

لا يمكن إنكار العداء الواضح من حكام الإمارات -وخاصة محمد بن زايد- للحركات الإسلامية وبشكل مركّز في دول الربيع العربي، والتي قادتها لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية في ٢٠١٤، ومحاولة التأثير على المشرعين في الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات مماثلة ضد أنشطة الحركات الإسلامية.

ناهيك عن حملات الإخفاء القسري والتصفية خارج إطار القانون التي قادتها قوات تابعة للإمارات في عدن ضد أعضاء في حزب "الإصلاح" في اليمن المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى تصوير الحرب في ليبيا أنها ضد "إرهاب" ميليشيات محسوبة على الإسلاميين، لذا لم تكن الحملات التحريضية الأخيرة ضد حركة النهضة في تونس استثنائية بل إنها سياسة إماراتية تسوقها ضد الحركات الإسلامية لاسيما في دول الربيع العربي.

ويمكن تفسير هذا العداء على عدة نقاط أهمها: تعارض مشروع الحركات الإسلامية مع المشروع التوسعي الذي تقوده الإمارات خارج حدودها "بناء إمبراطورية خارج جغرافيتها الضيقة" لذا كان من الضروري للإمارات أن تعادي الحركات الإسلامية خاصة الساعية منها للوصول للسلطة عبر السُبل الديمقراطية واستخدام كل الوسائل الممكنة.

إضافة إلى إنتاج الإمارات لنمط "إسلاموي" جديد تمثل في مؤسسات تقوم بتخريج نمط جديد من التدين الذي يشرعن الاستبداد ويصرف الناس عن المجال العام السياسي إلا من تأييد الأنظمة المستبدة بطبيعة الحال مثل "مجلس حكماء المسلمين"، وهو ما يتعارض أيضًا مع رؤية الحركات الإسلامية التي تنازع للوصول إلى السلطة.



لذا لم تكن حركة النهضة في تونس بمنأى عن مخالب الإمارات الساعية لاستئصال الحركات الإسلامية، ورغم التنازلات الكثيرة التي قدمتها الحركة والمراجعات الفكرية التي أبعدتها قليلًا عن خط منهج جماعة الإخوان المسلمين فيم اعتبر تحولًا "ما بعد إسلاموي" وانتهجت النهضة منهجًا براجماتيًا أبعدها عن الصدام مع المحسوبين على النظام القديم، أو الدخول في صراعات صفرية، وأبقاها مترددة على المشاركة في السلطة بين الحين والآخر، وباتت النهضة مثالا للحركة الإسلامية التي استطاعت النجاة من موجات الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي.

إلا أن حملات التشويه الأخيرة التي استهدفت رأس زعيم الحركة "الغنوشي" لا يمكن إعادتها فقط للخلافات الداخلية -والتي هي قائمة بالطبع- دون عزلها عن العامل الخارجي الذي بدأ بحملة للتحريش إعلاميًا بالنهضة وزعيمها، وقد تلاقت في ذلك مع عدد من خصوم النهضة في الداخل التونسي -المحسوبين بشكل رئيسي على نظام "بن علي" والذين يرفض بعضهم الاعتراف بما حدث في ٢٠١١ بأنه ثورة شعبية!- والذين يتهمون الحركة بالإرهاب رغم مشاركتهم في السلطة!.

تلاقى العداء الإماراتي للانتقال الديمقراطي في الدول العربية مع رغبتها في تطبيق سياسات استئصالية ضد الإسلاميين في الحالة التونسية، مما شكّل لديها ما نسميه بـ "ضربة مزدوجة" للحالة التونسية تمثلت في الرغبة في القضاء على المسار الديمقراطي الذي يزعج الإمارات ويخيفها من امتداد أثرها مرة أخرى إلى بلدان محورية مجاورة قد تنقلها إلى ممالك الخليج، وسياسات استئصال الحركات الإسلامية التي تقف حائلًا أمام الأحلام التوسعية التي يقودها محمد بن زايد معًا.



لذا تخشى الإمارات -كأي ممالك ديكتاتورية- من نجاح التجربة التونسية وتحولها إلى ديمقراطية راسخة تكون محط أنظار الشعوب العربية الراغبة في تحقيق قيم الديمقراطية والعدالة والحرية، وتكسر السردية التي تدعي عدم صلاحية الديمقراطية للعرب.

إضافة إلى الخشية من تحول منهج "النهضة" سواء الفكري -الذي يشبه إلى حد كبير العدالة والتنمية في تركيا- أو السياسي البراجماتي المتفادي للصراعات الصفرية إلى منهاج تتبناه الحركات الإسلامية خاصة في المشرق العربي -القريب من ممالك الخليج التي تخشى الديمقراطية- وتريد بذلك إنهاء مجرد تحول النهضة إلى "نموذج" على مستوى التحولات والتكيف.

تقف التجربة الديمقراطية في تونس اليوم على مفترق طرق سواء فيما يخص الخلافات الداخلية بين الرئاسات الثلاث، أو مواجهة التدخلات الخارجية التي بات واضحًا تأثيرها ومصدرها أكثر من أي وقت مضى ولم يعد مجرد التلميح كافٍ للرد عليها، ويتوجب على صناع القرار الالتفات لأثر تعاضد العاملين الداخلي والخارجي على التجربة التونسية ككل. -



 
Latest News





 
 
Top News