خوزا معين الدين/ الأناضول
في ضوء تطورات عديدة، تتحول بنغلاديش إلى نقطة ساخنة في المنافسة العسكرية بين الصين والهند في منطقة خليج البنغال، بحسب محللين استراتيجيين.
بنظرة تحليلية في اتجاه دكا للميل نحو بناء علاقات مع كل من بكين ونيودلهي، يتبين أن بنغلاديش حافظت تاريخيًا على الاعتدال في سياستها الخارجية.
لكن محللين رأوا أن الاتفاق البنغالي الهندي الأخير، الذي سمح لنيودلهي بالقيام بأنشطة مراقبة على طول الساحل البنغالي، ربما يكون قد حطم هذا التوازن، وفي الوقت نفسه أثار غضب الصين.
وستنصب الهند شبكة من عشرين نظام رادار مراقبة ساحلي، بموجب مذكرة تفاهم وقعها البلدان خلال زيارة رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة واجد، لنيودلهي، أوائل أكتوبر/ تشرين أول الجاري.
رسميًا، تم الإعلان عن أن أنظمة الرادار ستعزز المراقبة على المجال البحري لبنغلاديش، وتمهد الطريق لاتفاقية شحن بحري، وتبادل معلومات بشأن حركة السفن التجارية غير العسكرية بين البلدين.
مع ذلك، سيكون هذا مفيدًا لاحتواء الوجود المتزايد للصين في منطقة خليج البنغال، وفق تقارير بوسائل الإعلام الهندية.
وبالفعل، أنشأت الهند محطات رادار في البلدان الساحلية، مثل موريشيوس وسريلانكا وجزر المالديف، وتخطط لذلك في ميانمار، لتنفيذ مشروع بتكلفة حوالي 80 مليون دولار، لتعزيز نظام الأمن البحري في المحيط الهندي، وهي تحركات بدأتها عام 2015.
وقال "همايون كبير"، رئيس معهد "بنغلاديش إنتربرايز"، وهو مركز أبحاث، للأناضول: "من المفهوم أن الهند لا تمنح أنظمة الرادار هذه إلى بنغلاديش بلا دافع، فالهدف هو مراقبة حركة الصين في خليج البنغال والمحيط الهندي".
ويُعتقد أن الصين ستطلب من بنغلاديش بالتأكيد الرد على كيفية تشغيل وصيانة أنظمة الرادار تلك.
** خيار صعب
تُحاط بنغلاديش بالهند من ثلاث جهات، ولها علاقات متشعبة معها. في الوقت نفسه فإن الصين، التي خاضت حربًا ضد الهند في 1962، هي المورد الرئيسي للمعدات الدفاعية للقوات المسلحة البنغالية، منذ أن أقام البلدان علاقات دبلوماسية عام 1977.
والصين والهند هما أكبر المستوردين بالنسبة لبنغلاديش.
لكن عرض الصين لاستثمار ما لا يقل عن 27 مليار دولار في بنغلاديش، خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لدكا في 2016، طغى على خط ائتمان الهند، الذي كانت قيمته أقل من ثلاثة مليارات دولار آنذاك.
ومن ثم أصبح الهنود يعيرون اهتمامًا لقوة الصين الاقتصادية التي تظهر في بنغلاديش.
كما تراقب بكين "المقترحات حول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند وبنغلاديش"، وفقًا لـ"شهاب إنام خان"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جهانجيرناجار في بنغلاديش.
وقال خان للأناضول: "في حين أن هذا مهم لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، إلا أن القضية تحتاج إلى أن تتزامن مع مبادرة الحزام والطريق، التي تقودها بكين منذ أن أصبحت بنغلاديش شريكًا رسميًا في تلك المبادرة".
على الجبهة العسكرية، تلقت البحرية البنغالية غواصتين من الصين، عام 2016، لتكثيف المراقبة في خليج البنغال.
وتردد أنه تم تجهيز الغواصتين بطوربيدات وألغام قادرة على مهاجمة السفن الحربية والغواصات.
وقال "كبير": "كانت الهند غير راضية عن قرار بنغلاديش شراء الغواصتين الصينيتين. وأعرب الهنود عن استيائهم، على افتراض أن فنيين صينيين سيصلون إلى بنغلاديش".
وأضاف: "ربما تكون رئيسة وزراء بنغلاديش قد لعبت لعبة موازنة، بالسماح للهند بنصب أنظمة الرادار. ربما تم اتخاذ القرار في ضوء التوازن بين العمل مع الجانبين".
وتابع: "الأمر متروك لبنغلاديش فيما يتعلق بكيفية الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع الصين والهند".
** تنافس بين القوى العظمى
تتمتع بنغلاديش بموقع استراتيجي جغرافي بين جنوب وجنوب شرق آسيا.
وتكافح دكا في ملف استضافتها 1.1 مليون لاجئ من الروهنغيا، وهي قضية تشمل جميع القوى الإقليمية والعالمية الكبرى ذات المصالح المتنوعة.
ولا تزال الهند صامتة بشأن تلك القضية، في حين انخرطت الصين بهدوء في أخر محاولتين فاشلتين لإعادة مسلمي الروهنغيا إلى وطنهم في ولاية أراكان بميانمار.
مع ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تروج لاستراتيجية بحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كانت أكثر صراحة في التعبير عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الروهنغيا (من جانب جيش ميانمار ومليشيات بوذية).
على ضوء هذا، فإن مذكرة التفاهم البنغالية حول أنظمة الرادار مع الهند قد تزيد من تعقيد المعادلة في منطقة المحيط الهندي، التي تتنافس فيها القوى الكبرى، حيث تحاول كل من الولايات المتحدة والصين والهند بجدية إقامة وضع هيمنة هناك والاحتفاظ به.
وقال خان إن "مذكرة التفاهم المتعلقة برادارات المراقبة الساحلية قد تثير دهشة بكين؛ فالرادارات تعتبر أصولاً استراتيجية، وليست مجرد أداة مراقبة عادية".
ورأى خان أن بكين ربما تعتبر هذا محاولة من نيودلهي للوصاية على خليج البنغال، وقدرتها على أن تصبح أكبر دولة في العالم مرتبطة بقدرتها على بسط السيطرة في المنطقة.
ومن خلال الانضمام إلى قاطرة الأمن الهندية في خليج البنغال، ستشارك بنغلاديش في "الهدف الاستراتيجي الأكبر" لنيودلهي.
وقال "كبير" إن "بنغلاديش ربما تركز على الجانب التعاوني، لكن الهند ستؤكد على جانبها التنافسي مع الصين ودول أخرى".
مع ذلك، أعرب "كبير" عن اقتناعه بأن بنغلاديش لديها مجال لتصبح قوة توازن، ولتبني جسرًا بين أهداف الهند والصين في المنطقة.. يمكنها العمل على هذين الشقين".
----------------------------
** الكاتب صحفي مقيم في العاصمة البنغالية دكا، وحائز على جوائز دولية وحاصل على درجة الماجستير في الصحافة والعلاقات الدولية.
** الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول. -
|