إسطنبول/ نبراس حسن/ الأناضول
خبر مروّع غزا الإعلام الدولي؛ مقتل 50 مصلياً وإصابة مثلهم أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشرتش في نيوزيلاندا.
أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا حرب العداء للإسلام.. مجرم إرهابي يميني متطرف يدخل بيتاً من بيوت العبادة ليقتل أشخاصا يقومون بأداء عبادتهم بسلام، وأول ما يستقبل به هو وسلاحه كانت عبارة "مرحباً أخي".
ولأول مرة، يتم تناول حدث مماثل بردود فعل دولية واسعة، مستنكرة العمل الإرهابي على مستوى رسمي عالي وواسع.
لكن اللافت يظل الجديد في وصف هذا العمل الإجرامي الدموي بأنه "عمل إرهابي"، وقد اعتاد المتلقي والمتابع للإعلام الغربي على وصف أعمال إجرامية مماثلة بأنها نتيجة "خلل نفسي" أو "عقلي" عند الجاني.
جرأة دولية بدت لافتة أيضا في استخدام كلمة "إرهابي" في وصف الجريمة المريعة، في وقت كانت فيه مثل هذه الجرائم توصف بأنها "جرائم كراهية وعنصرية".
توالت الإدانات الرسمية والشعبية، بدءاً من مجلس الأمن الدولي الذي وصف هذا العمل الإجرامي "الجبان"، مرورا بالملكة إليزابيث، والرئاسة الفرنسية، والمستشارة الألمانية، وصولا إلى نواب البرلمان البريطاني وعدد من البرلمانات الأوروبية، وحلف شمال الأطلسي، وغيرهم من المؤسسات الرسمية والمسؤولين رفيعي المستوى.
بالطبع، لم يصل الاستنكار والاستهجان الحد الذي نراه عندما تكون الجريمة ضد غربيين على يد مسلم.
لكن كان بعض المسؤولين الغربيين غاية في الجرأة بالمطالبة بوصف هذه الجريمة المروعة بالعمل الإرهابي، والمطالبة باعتبار اليمين المتطرف في الغرب ذو فكر إرهابي ويجب وصفه بالإرهاب، ما يعني أن الغرب يستشعر بالفعل الخطر المحدق بمجتمعاتهم من انتشار واستشراء وتغذية فكر العداء ضد المسلمين.
وعقب الحادثة، طالبت بعض المنظمات الحقوقية بمواجهة اليمين المتطرف في الغرب، والذي يعتبر أحد الأسباب المباشرة لنشر فكر العداء ضد الإسلام.
ولكن من المؤسف أن الحكام العرب لم يتجرأوا على استخدام كلمة "الإرهاب" بعد وهم يدينون جريمة المسجدين، بل نجد ذات العبارات التقليدية والإدانات الخجولة من مسؤولين عرب ومسلمين.
إن الأيديولوجية التي تتبناها الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب، والتي تعادي المسلمين واللاجئين، تسهم بشكل كبير في تعزيز الكراهية ضد المسلمين بين مؤيديها.
وقد أصبحت هذه الأيديولوجيات هي المنطلق للسلوك العدائي الإجرامي الإرهابي ضد مسلمي أوروبا وأمريكا، بقتل الأبرياء واستهداف المساجد والمحجبات، حتى باتت الدول الغربية مكاناً غير آمن للمسلمين ممن باتوا يعانون من العنصرية والتمييز ضدهم، ليس اللاجئون والزائرون منهم فحسب بل حتى من يحملون جنسية هذه البلدان.
ولا بد من الذكر هنا أن للخطاب الإعلامي دور مهم، فعلى مر العقود الماضية قدم الإعلام، والإعلام الغربي خصوصا، الصورة النمطية للإرهاب بأنها هي المسلم المتشدد، الذي ينادي "الله اكبر" وهو ينفذ الأعمال الإرهابية التي يستهدف فيها الغرب والأديان الأخرى.
كما يصور الإرهاب والقتل والجريمة والعنف، على أنه عمل يدعو إليه الإسلام وجزء من جوهره، ما ساهم بتعزيز تلك الصورة النمطية الخاطئة عن الإسلام كدين وعن المسلمين أينما وجدوا.
ومن هنا، شاع استخدام مصطلح الإسلاموفوبيا، وتحديداً انتشر استخدامه بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة.
وتتألف الكلمة من كلمتي "الإسلام" و"الفوبيا" والتي تعني الخوف، فالخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا" أصبح المصطلح الذي يستخدم لتبرير ووصف العنصرية والعداء تجاه المسلمين فقط لكونهم مسلمين، ولتبرير الأعمال العدائية والإرهابية تجاههم.
يجب أن يراعي الإعلام استخدام أي قرائن تربط الإرهاب بالإسلام؛ فتلك الصورة التي تستخدم في أي خبر عن "داعش"، والتي يظهر فيها مقاتلو التنظيم وخلفهم راية سوداء مكتوب عليها "لا إله إلا الله"، هذه واحدة من أسوأ الصور التي عززت وربطت الإرهاب بالإسلام.
ويجب أن تراعى هذه التفاصيل والجزئيات على نحو واسع للحد من تعزيز ما يسمى بـ "الإسلاموفوبيا" لدى الأشخاص العاديين، إن لم يكونوا من اليمين المتطرف الذي يعمل على نشر هذا الفكر العدائي.
وبعد توالي هذه الجرائم الإرهابية ضد المسلمين في أنحاء العالم، وجب أن يتم الانتباه بدقة إلى الخطاب الإعلامي، واللغة المستخدمة عند وصف التطرف والتشدد والإرهاب والجرائم ضد الأبرياء، والتي لا تمت لا إلى الإسلام ولا إلى أي دين آخر بصلة.
ولا بد من أي يكون هناك حل لهذه الاعتداءات التي تجاوزت حد المضايقات لتصبح جرائم تجعل من دور العبادة مسرحاً للجريمة.
فالمسلمون في الدول الأوروبية أقلية مستهدفة، وحياتهم مهددة، وبعد العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت المسلمين والمساجد والمحجبات في أنحاء أوروبا وأميركا، وجب القول أنه لا بد من قوانين حماية دولية للأقليات المسلمة، ولا يمكن إيجاد حلول منفردة، يجب أن يكون هناك حلول شاملة تحد من الكراهية للمسلمين.
لن يكون إعادة النظر في موضوع حمل السلاح مثلاً من الحلول، إن لم يكن الحل بالفكر والأيديولوجية، وإيقاف نشر الصور النمطية الخاطئة عن المسلمين.
تلك الصورة التي بتنا نراها حتى في ألعاب الفيديو التي يلعبها الصغار والكبار، والتي يصور فيها القاتل بزي عربي، والكثير منها تستخدم عبارة "الله أكبر" أثناء القتل واستخدام السلاح؛ فهي إن لم تكن توصل الصورة النمطية الخاطئة عن المسلم العربي، فهي تحرض على العنف وعلى محاكاة هذا الواقع الإجرامي الدموي.
بعد كل عملية لـ"داعش"، يتم التضييق على الجماعات الإسلامية، وبعد هذه العملية والاعتراف الدولي الواسع أن العداء للإسلام والحركات المتطرفة المناهضة للمهاجرين واللاجئين هي ضرر وخطر على الأمن والسلام الدولي، فهل سيتم التضييق على جماعات اليمين المتطرف؟
سؤال ينبغي أن يسأله الغرب ويجد له جواباً، حتى يتمكن من مكافحة الإرهاب بكل أشكاله سواء أكان الجناة مسلمون أو مسيحيون أو أيا كان دينهم أو مذهبهم أو أيديولوجيتهم.
ولقد آن الأوان بالفعل أن لا يلصق كل ما هو مخرب وفاشل وإجرامي بالإسلام كدين، لأغراض جلّها سياسية، فإن كان هناك أفكار وأيديولوجيات مريضة خاطئة تتستر بثوب الإسلام أو الأديان الأخرى لتبرر أمراضاً اجتماعية منبتها الحقد والعنصرية لا الغيرة على الدين، فالأديان منها براء.
وآن الأوان أيضا لأن نوقف الربط الذي أسهم كثيراً في أذية المجتمعات وتعزيز مفاهيم لا تمت للإنسانية ولا للدين ولا لفائدة أي من الشعوب سوى بإضافة المزيد من الذعر والخوف والـ"لا سلام" في أنحاء العالم.
ولا بد من أن لا نربط كلمة "الإرهاب" وكلمة "التطرف" بالإسلام، ويجب على المجتمع الدولي أن يقر بذلك، وأن يعترف أن الإرهاب لا دين له. فالمسيحي الذي ارتكب الجريمة في نيوزيلندا إرهابي، والمسلم الذي قام بأعمال إرهابية، لم يقم بها لأنه مسلم، بل لأن هناك أيديولوجيات توجه كليهما ليس منطلقها الدين الذي وجد لإحلال السلام بين البشر.
فلا الدين المسيحي الذي يطلب منك أن تدير خدك الأيسر لمن صفعك على خدك الأيمن يدعو للإرهاب وقتل الأبرياء في المساجد، ولا الإسلام الذي يبدأ بالسلام وينتهي بالسلام يدعو إلى زهق أرواح الأبرياء.
يجب على العالم التصدي لمعاداة الإسلام والمسلمين، حتى يحل السلام بين البشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم وبلدانهم وانتماءاتهم وأيديولوجياتهم، كما يجب السعي الحثيث لإيضاح وإيصال حقيقة الدين الإسلامي للغرب المتطرف الذي بنى معتقدات وقناعات خاطئة عن المسلمين ودينهم.
فهذه الجريمة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهناك أعمال إرهابية ستنتشر طالما أن العداء تجاه الإسلام لم يواجه، وطالما أن اليمين المتطرف يرى الإسلام دين إرهاب، ويقوم ببث ونشر هذه الأفكار المسمومة في المجتمع الغربي.
فذلك الإرهابي الأسترالي كان يخطط لإكمال عمله الإرهابي في بقية المساجد، حسبما وجد من سلاح ومعدات في سيارته، وإن تم إيقافه، فهو شخص واحد ولكن الفكر المريض مستشري وسيكمل عنه غيره حتى في صورة اعتقاله........................
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول. -
|