مقديشو/ نور جيدي/ الأناضول
في حي طركينلي جنوب مقديشو يعكف محمد ديق، وهو شاب صومالي، مع زملائه على إنتاج زيت السمسم في معصرة تقليدية يجرها جمل بشكل دائري، وهي مهنة قديمة تقاوم المعاصر الحديثة.
تعود مهنة عصر زيت السمسم عن طريق جمل إلى أكثر من مئتي سنة، حيث تتوارثها أجيال في الصومال أبًا عن جد من دون تعديلات عليها، بحسب ما قاله "ديق"، مالك المعصرة، للأناضول.
من دون كلل، يدور جمل معصوم العينين لساعات في محيط آلة خشبية (جزع مجوف) مصنوع من شجرة كبيرة وبداخلها عمود يعصر حبات السمسم عبر احتكاك الجزع المجوف، نتيجة دوران الجمل.
وأضاف "ديق" أن عائتله تمتهن هذه المهنة منذ زمن بعيد، حيث تتوارثها جيلًا بعد آخر.
واستدرك بقوله إن المهنة انحسر دروها بعد غزو الصناعات الحديثة للمناطق الريفية، لكنها بدأت تظهر من جديد في المدن، ونحن متمسكون بتقاليد أجدادنا.
وعزا عودة مثل هذه الصناعات التقليدية إلى قلة جودة المنتجات الحديثة، واستخدام مواد حافظة بها، ما قد يضر بالصحة، خاصة وأن الكثيرين يفضلون المنتجات التقليدية الطازجة.
** تقليدية بامتياز
يبدو العمل التقليدي في هذه المهنة سهل للكثيرين، لكنه في الواقع يتطلب جهدًا ربما أكبر من إنتاج السمسم في المعاصر الحديثة.
يخضع الجمل لتدريب يستمر شهرًا ونصف لتيعلم دوره في هذه الصناعة، حيث السير لساعات على مسافة ثابتة دائرية.
وقال أنور يوسف، المشرف على المعصرة: هذه الصناعة تقليدية بامتياز بدءً من الآلة الخشبية التي تستخرخ الزيت إلى الجمل وطريقة تخليص الزيت من الشوائب، ولهذا تتطلب كل خطوة جهدًا جبارًا.
وأوضح أن عصب عيني الجمل والحبل المشدود على عنقه يمنعانه من الابتعاد عن الآلة والشعور بالدوران، إذ يتصور الجمل وكأنه يسير خلف قافلة من الجمال.
ولإنتاج 20 لترًا من زيت السمسم يدور الجمل نحو أربع ساعات دون انقطاع حول خشبة مجوفة يُستخرج منها الزيت بواقع 5 لترات في الساعة.
إلى جانب 7 أفراد يتناوبون عملًا يتضمن الإشراف على عملية العصر، والتأكد من استخراج الزيت من أعلى الخشبة المجوفة، مع الغناء لتخفيف التعب عن الجمل.
بعد عملية شاقة تنتج المعصرة نوعين من زيت السمسم، هما الأبيض والأسود، وهما يتشاركان الطعم، لكن يختلفان في الجودة واللون والسعر وأغراض الاستخدام، بحسب مالك المعصرة.
وأوضح "ديق" أن بذور السمسم التي تُزرع في الصومال بيضاء وسوداء، وتًزرع غالبًا في إقليمي شبيلي السفلى والوسطى، بجانب أقاليم جوبا الوسطى والسفلى وإقليم هيران وسط وجنوب الصومال.
** طعام وعلاج
يحتفظ زيت المعصرة التقليدية بلونه الأصفر الذهبي ورائحته وطول فترة صلاحيته، بينما يتغير طعم ولون زيت المعاصر الحديثة بعد فترة قصيرة بسبب الإضافات وعدم تخليصه من الشوائب، بحسب القائمين على المعصرة.
تختلف استخدامات زيت السمسم بنوعيه الأبيض والأسود، إذ يستخدم الأبيض غالبًا مع المأكولات التقليدية التي تُحضرها الأسر الصومالية في ليالي الجمع، التي يحضر فيها الشيوخ للدعاء وقراءة القران على أرواح الموتى، بحسب هاشم أحمد، أحد زبائن المعصرة التقليدية.
وأضاف هاشم، في حديث للأناضول، أن النوع الأسود يستخدم للعلاج من أمراض منها: أمراض معدية، آلام المفاصل، آلام العظام، الملاريا، الصداع، إضافة إلى العلاج من جفاف وتجاعيد الجلد وتساقط الشعر.
** طالب متزايد
في الأسواق المحلية يتزايد الطلب على زيت السمسم الأيبض والأسود المستخرج في المعاصر التقليدية، رغم انتشار زيت المعاصر الحديثة، إلى جانب أنواع أخرى تستورد من الخارج.
وقالت صفية نور، وهي تاجرة في سوق حمرويني، إن زيت السمسم التقليدي فرض نفسه بقوة في الأسواق، حيث يفضل معظم زبائني هذا النوع التقليدي المصنوع محليًا نظرًا لجودته.
ويبلغ سعر اللتر الواحد من زيت السمسم الأبيض 132 ألف شلن صومالي (نحو6 دولارات)، بينما يصل سعر اللتر من النوع الأسود إلى 176 ألف شلن (8 دولارات).
ولتلبية الطلب المتزايد يسعى الشاب "ديق" إلى زيادة إنتاج معصرته من زيت السمسم التقليدي من 20 لترًا إلى 60 لترًا في اليوم. -
|