Haberler      English      العربية      Pусский      Kurdî      Türkçe
  Haberler.com - آخر الأخبار
البحث في الأخبار:
  منزل 19/04/2024 21:32 
News  > 

جدارية لضحايا الهجرة بـ"مدنين" التونسية.. ترياق ضد النسيان

20.07.2018 08:13

جدارية رسمها فنان تشكيلي، وضمت بورتريهات لـ12 شابا من ضحايا الهجرة غير الشرعية، في مبادرة ترمي للاحتفاظ بالقضية حية بالذاكرة الجماعية.

مدنين ( تونس )/ هيثم المحضي/ الأناضول



جدارية عملاقة بمدينة "مدنين" التونسية، تحمل صور 12 شابا، قضوا أثناء محاولتهم العبور بشكل غير قانوني نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط، بحثا عن حلم لم يكتمل.

شباب التهمهم البحر، لتنضاف قصصهم الحزينة إلى مجلد ضخم يوثق آلاف الحكايات المشابهة.. حكايات غير مكتملة، بدأت بحلم وانتهت بكابوس.

ولحماية تلك القصص من النسيان، قرر الفنان التشكيلي التونسي محمد كرمي تجسيد صور عدد من أصدقائه ممن لقوا مصرعهم غرقا في البحر، في جدارية كبيرة في إحدى شوارع المحافظة الواقعة جنوب شرقي البلاد.



صور تقتصر على بورتريهات الوجوه، حاول كرمي من خلال رسمها على الجدار، تخليد ذكرى 12 شابا كانوا، في يونيو/ حزيران الماضي، متّجهين، على متن مركب للهجرة غير الشرعية، نحو أوروبا، غير أنهم غرقوا في البحر قبالة شواطئ قرقنة بمحافظة صفاقس (جنوب).



** الهجرة.. محنة مشتركة



مطلع الشهر الماضي، لقي 84 مهاجرا غير شرعي (بينهم أفارقة) مصرعهم في البحر، إثر انقلاب القارب الذي كان يقلهم في اتجاه جزيرة "لمبيدوزا" الايطالية .

وفي محافظة مدنين، تشير الأرقام إلى غرق 14 شابا خلال هذه الرحلة البحرية، موزعين على عدة مناطق من المحافظة، بينما لا يزال 3 آخرين في عداد المفقودين .



وعلى الطريق إلى منطقة بني خداش، وعلى بعد كيلومترين من مركز مدنين، تنتصب جدارية بطول نحو 40 مترا وعرض 3 أمتار، لبورتريهات غرقى المحافظة من المركب المنكوب.



ويبلغ طول كل "بورتريه" نحو المترين والنصف، فيما يناهز عرضه المتر والنصف.



ولإبراز التفاصيل الدقيقة لملامح الوجه، وإضفاء لمسة الحزن المستعرة بنفوس سكان المدينة، اختار الفنان التشكيلي اللونين الأبيض والأسود، في توليفة ثنائية منحت الرسوم أكثر من بعد.

ورغم أن الرسومات موجودة على جدار، إلا أنها تبدو أقرب إلى الفن التشكيلي "الحفر"، أو ما يعرف بـ"الحفر على الخشب".



وعلى الجانب الأيسر لكل "بورتريه"، كتب الرسام اسم الشاب الذي لقي حتفه في البحر، فيما توسّطت الجدارية عبارة كتبت بالخط العريض: "آش كليت من زواولة يا بحر" ("كم التهمت من فقراء أيها البحر").



الفنان التشكيلي، محمد الكرمي، قال في حديث للأناضول، إن "الجدارية هي عمل فني بالأساس، أردنا من خلالها تجسيد صور لعدد من شباب المنطقة ممن اختاروا ركوب قوارب الموت هربا من الوضع الاجتماعي الصعب الذي عاشوه بهذه المدينة ".



البعض من رسوم الشباب على الجدارية كانوا أصدقاء مقربين من الفنان، كما يقول، والبعض الآخر من سكان المدينة، حيث يتقاسم الجميع نفس الهموم والمشاكل، ويواجه الجميع معضلة الهجرة غير الشرعية بكافة تجلياتها الحزينة.



** "ضد النسيان"

الجدارية تجسّد حالات نفسية مختلفة للشباب، فالبعض كان مبتسما، والآخر منتبها، وثالث شارد الذهن..وجوه بتعبيرات مختلفة تجسد واقع الحياة بكل ما فيها من فرح وحزن، فيما غابت أجسادها في إشارة رمزية إلى أن غياب أصحابها عن الدنيا لن يقتلع صورهم من قلوب أسرهم وأصدقائهم.



وبحسب الكرمي، فإن هذه الجدارية التي شاركه فيها الفنان التشكيلي مراد القفصي، ترمي لأن توثق لذكرى هؤلاء الشباب، وأن تكون ترياقا ضد النسيان، حتى تظل قضية الهجرة حاضرة على الدوام بالأذهان.



وموضحا الجزئية الأخيرة، تابع الكرمي: "لا ينبغي نسيان هؤلاء الشباب أبدا، فهم ماتوا في ظروف مشبوهة، والكثير من الناجين من القارب أكدوا أن عملية غرق المركب، الذي تسبب في مصرع العشرات، كانت مدبرة، ولذلك لا يجب نسيانهم حتى لا تغتصب حقوق أهاليهم " .



ويتداول سكان المحافظة وكامل البلاد روايات مفادها أن مهرّبين يقفون وراء قلب القارب بهدف استقطاب انتباه خفر السواحل، وتسهيل عبور قارب ثان يقل أيضا مهاجرين غير شرعيين، وهو ما لم يتم تأكيده رسميا.



** وجهة لأسر الضحايا وأصدقائهم

بمجرد الانتهاء منها، تحولت الجدارية إلى مزار للعديد من سكان المحافظة، وخاصة أسر الشباب الذين لقوا مصرعهم.

فهناك، يحدث وأن يقضي شيخ يومه متأملا تقاسيم وجه نجله، أو امرأة متشحة بالسواد وهي تبكي فلذة كبدها.

مشاهد مأساوية باتت مألوفة في محافظة تعوّدت على تشييع عدد كبير من شبابها ممن لم تكتمل رحلتهم نحو أوروبا.



محمد لسود، والد الشاب أشرف، أحد ضحايا قارب قرقنة المنكوب، كان هناك، يتأمل صورة والده بحزن فاقم من تجاعيد وجهه، ومنحه أعواما فوق سنواته السبعين.

لم يحوّل ناظريه عن صورة ابنه. تحدث بصوت خافت واهن، وقال: "منذ رحيل أشرف ونحن نعيش في حالة صعبة جدا، ما نطلبه فقط هو تمكيننا من حقوقنا من خلال محاسبة من كان سببا في هذه الحادثة".



مراد القفصي، الفنان التشكيلي الذي شارك في رسم الجدارية، قال من جهته: "أنجزنا الجدارية في وقت وجيز، ورغم عدم توفر الإمكانات اللازمة، إلا أننا نجحنا في استكمال عملنا".

وأضاف للأناضول: "أردنا من خلال الجدارية المساهمة -كغيرنا من التونسيين- في تشخيص الوضعية التي تدفع الشباب إلى التفكير في الخروج من تونس، والبحث على مورد رزق وراء البحر".



ودعا القفصي سلطات بلاده إلى التدخل بشكل أكبر في المناطق الداخلية والحدودية التي يعيش فيها الشباب البطالة، بسبب غياب المشاريع التنموية .

وفي محافظة مدنين، بلغت نسبة البطالة، في الربع الأول من 2018، 20.5 بالمائة، وفق أرقام رسمية. -



 
Latest News





 
 
Top News