الخرطوم/ حسام بدوي / الأناضول
لم تعد اهتمامات السودانيين تنصب على الشأن السياسي والرياضي فقط كسابق عهدها، لكنها بدأت تأخذ منحى آخر مع التوجه نحو الاهتمام بالشأن الاقتصادي.
يأتي هذا الاهتمام والترقب، في ظل موجة غلاء الأسعار التي تشهدها البلاد منذ مطلع 2018، تزامنا مع إجراءات حكومية.
ومنذ مصادقة البرلمان السوداني على موازنة 2018، بإجمالي عجز مقدر يبلغ 28.4 مليار جنيه (4.11 مليارات دولار)، تشكل نسبته 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بدأ مسار المتابعة والتفاعل على مستوى الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي في التغير نحو الاقتصاد.
الواقع في السودان يفرض على المواطن، وفق مراقبين محليين، الاهتمام بالجانب المرتبط بالحكومة والمعارضة، فالمسائل السياسية محلياً، سرعان ما كانت تأخذ بعداً عسكرياً مسلحاً لتسويتها.
البداية كانت في 1955 بالنزاع المسلح في جنوب السودان، الذي سوي باتفاق سياسي في 2005 أدى إلى استفتاء شعبي واستقلال لدولة الجنوب في 2011، ما ترتب عليه فقدان البلاد لثلاثة أرباع إيراداتها النفطية التي تمثل 80 بالمائة من موارد النقد الأجنبي.
ولا تعتبر تلك القضية الوحيدة التي توجه بوصلة المتابعة للقضايا السياسية؛ فإقليم دارفور الغربي يشهد منذ 2003 نزاعاً مسلحاً لحل قضايا ذات طابع سياسي، وذات نزاع عسكري وإن خفت وتيرته مؤخراً، في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) منذ 2011.
ورغم أن تلك القضايا ترتبط بصميم أمن البلاد القومي واستقراره، بيد أنها لم تصبح ذات أفضلية مؤخراً، ليحجز الشأن الاقتصادي لنفسه مكانة في صدراة الأولويات.
** متابعة كبيرة
المحلل ورئيس التحرير السابق لصحيفة "القرار الخاصة"، عبد الرحمن الأمين، يجد لذلك الاهتمام الاقتصادي الحديث، مثلاً شعبياً يقول: (الزول يونسه غرضه)، ويعني في تفسيره (يهتم الشخص في حديثه باحتياجاته التي تعنيه).
"الأمين" يضيف في حديثه للأناضول: الناس يهتمون بما يمس قوت يومهم بصورة مباشرة وهذا ما نشهده حاليا في السودان.
ويزيد: هناك متابعة كبيرة من جانب المواطنين لأسعار صرف الجنيه مقابل الدولار في السوق الموازية، إلى جانب الرسمية التي يحددها البنك المركزي صباح كل يوم".
وشهدت قيمة الجنيه السوداني هبوطاً غير مسبوق أمام الدولار الأمريكي في يناير/ كانون ثاني الماضي، ليبلغ 42 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، قبل أن تستقر عند 31.50 حتى منتصف مارس/ آذار الجاري.
ولا ينفي الأمين عزوف السودانيين عن متابعة الأخبار السياسية المتعلقة بسير العمل في الدولاب الحكومي، أو حتى نشاط الأحزاب المعارضة.
ويصف الأمين موجه غلاء الأسعار التي تشهدها البلاد، بأنها تتويج لأزمة سياسية مرتبطة بعدد من القرارات الحكومية.
واجتمع الرئيس السوداني عمر البشير منذ نوفمبر/ تشرين أول الماضي بالوزراء والمسؤولين السابقين 6 مرات حتى منتصف الشهر الجاري، وهو ما عرف محلياً باجتماعات ضبط سعر الصرف".
** رسوم جمركية
ورغم أن الموازنة التي أقرت للعام الجاري لم تشمل فرض ضرائب جديدة، وأعفت الواردات من الرسوم الجمركية بنسبة 63 بالمائة، تجنبا لارتفاع الأسعار، غير أن سلعاً مثل "السكر، والحليب المجفف، ومنتجات الألبان، وزيوت الطعام" لا تشهد أسعارها استقراراً في السوق.
ويوثق السودانيون ذلك التأرجح في الأسعار بين الحين والآخر، بنشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي، تقارن بين القيمة الجديدة للسلعة والسابقة لها، والتي غالباً ما تكون قيمتها قد ارتفعت في غضون يوم واحد.
وصعد التضخم بنسبة 54.34 بالمائة في فبراير/ شباط الماضي على أساس سنوي، مقارنة مع 52.37 بالمائة في يناير/ كانون الثاني السابق له، نتيجة ارتفاع مجموعة الأغذية والمشروبات بنسبة 52.86 بالمائة.
** اهتمامات سطحية
الخبير الاقتصادي، حسن قسم السيد، يرى أن ظاهرة الاهتمام بالأخبار الاقتصادية، ومتابعة سعر الصرف، ما هي إلا "ظاهرة لاهتمامات سطحية فرضتها الحاجة، ولا تتعمق بعلم الاقتصاد ومصطلحاته".
"قسم" يقول في حديثه للأناضول: نعم يوجد اهتمام متزايد بأخبار التضخم وأسعار العملات مقابل الجنيه، والقبض على المضاربين بالدولار في السوق الموازي، لكن ذلك لا يدفعنا للقول إنه اهتمام اقتصادي دقيق".
ويعقد "قسم" مقارنة ببعض الدول المجاورة للبلاد التي يهتم ويتعمق جزء مقدر من مواطنيها "بمتابعة البورصة العالمية والمحلية في بلادهم وفهم مجرياتها وتقلباتها".
ويوضح قائلاً: "على سبيل المثال، لا نجد متابعة محلية من المواطنين لسوق الخرطوم للأوراق المالية، وتنحصر متابعة ما تصدره البنوك من سندات أدخار أو ميزات للودائع عند شريحة محددة".
ووفق الأكاديمي السوداني "يرجع ذلك، لضعف وهشاشة الاقتصاد السوداني الذي عانى من حروب طويلة، إضافة إلى أن بيئة الاستثمار المحلية غير الجاذبة لمدخرات السودان العاملين خارج البلاد، والمستثمرين من الدول الأخرى". -
|