الرباط/ محمد عبد الصمد/ الأناضول
يختفي شخص المفكر المغربي عبد الله العروي (84 عاما) ويظهر في إطلالات نادرة، لكن حضوره الثقافي دائم على الساحة العربية عبر إنتاجاته الفكرية والأدبية منذ صدور أول أعماله "الإيديولوجيا العربية المعاصرة" (1970.(
في سنة 2013، أطل العروي بعد غياب طويل، عبر حوار مع جريدة مغربية، ثم عبر برنامج "مباشر معكم" على القناة المغربية الثانية، بعد أن أثير جدل حول التدريس بالعامية في المدارس المغربية.
ظهر العروي وقال: "أخرجني من مقبعي موضوع التدريس بالدارجة (العامية)، لأنني أنظر إلى أبعاده التي تروم تقويض الوحدة الوطنية".
** مفكر عالمي
يمثل العروي أحد رموز الثقافة العربية، بل والعالمية، وتكريماً له تنظم جامعة محمد الخامس في العاصمة الرباط (شمال)، اليوم الخميس، بالتعاون مع معهد العالم العربي بباريس، ندوة بعنوان "تلقي فكر العروي".
وتوج المسار الفكري المتميز للمفكر المغربي باختياره السنة الماضية (2017) شخصية العام الثقافية، ضمن جائزة الشيخ زايد للكتاب.
وقالت عنه إدارة الجائزة إنه "تبوأ منزلة المؤسس لحراك فكري وثقافي امتد من المغرب إلى المشرق، ولم يتوقف تأثيره عند حدود الجامعات والمؤسسات العلمية، وإنما شمل مجالات الفكر السياسي العربي، وطبع كثيراً من الممارسات الثقافية".
** المسيرة العلمية
تلقى العروي تعلميه الإبتدائي في مسقط رأسه بمدينة "أزمور" (قرب الدار البيضاء - شمال)، ثم أنهى الدراسة الثانوية في مدرسة مولاي يوسف بالرباط، عام 1953.
بعدها، انتقل إلى معهد الدراسات السياسية في باريس، لدراسة العلوم السياسية، فنال شهادة البالكلوريوس، عام 1956، ثم واصل دراساته العليا في التاريخ، عام 1958، كما حصل، عام 1963، على "التبريز" في الإسلاميات، وهي شهادة مغربية عليا تتطلب عامين من الدراسة بعد البكالوريوس.
عاد العروي من جامعة السوربون الفرنسية متشبعا بالتحليلات الاقتصادية والاجتماعية حول مشكلة التخلّف، على حد قوله، لينتقل إلى مصر، حيث عُين مستشارا ثقافيا في سفارة المغرب بالقاهرة.
واطلع العروي حينها على ما كُتب، في مصر خاصة، بين عامي 1930 و1950 عن المسألة الاجتماعية.
ولاحظ ما كان في مصر من تقهقر ثقافي، سنة 1961، وهو انحطاط أقر به كبار المثقفين المصريين آنذاك، وهو ما دفعه إلى إصدار كتابه الأول "الإيديولوجيا العربية المعاصرة"، سنة 1970، وفق ما ذكر في حوار سابق معه.
وبعد إصدار كتابه الأول بست سنوات، حصل العروي من جامعة السوربون على درجة الدكتوراه، سنة 1976، عن أطروحته "الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية: 1830-1912".
اشتغل العروي بعدها أستاذا في جامعة محمد الخامس إلى حدود سنة 2000، ومارس التدريس أيضا بصفته أستاذا زائرا في جامعات أوربية وأمريكية.
** معركة المفاهيم
خاض العروي معركة علمية طويلة مع المفاهيم التأسيسية للفكر المعاصر، معتبرا أنه لا بد من "توضيح المفاهيم" قبل الخوض في أية كتابة تأريخية أو نقدية.
وهكذا أصدر كتبه "العرب والفكر التاريخي" (1973)، و"مفهوم الإيديولوجيا" (1980)، و"مفهوم الحرية" (1981)، ثم "مفهوم الدولة" (1981).
كما كتب "ثقافتنا في منظور التاريخ" (1983)، و"مجمل تاريخ المغرب" (1984)، و"مفهوم التاريخ" (1992)، وكذلك "مفهوم العقل" (1996.(
وعن هذا قال في حوار سابق مع مجلة "آفاق" المغربية: "من الإيديولوجيا العربية المعاصرة إلى مفهوم التاريخ، وأنا أقوم بهذا التوضيح المفهومي، وتفكيك الآليات المعرفية، التي يمكن استخدامها في ما بعد للعرض والتقرير".
وأضاف: "أنا أقوم بعمل تمهيدي ضروري، لا يمكن الفهم والتفاهم بدونه. والكتابة التاريخية هي، في مرحلة لاحقة، توظيف المفاهيم المذكورة بعد تحليلها وتوضيحها لفهم الواقع".
** تعدد معرفي
لم يَبْقَ العروي حبيس تخصص معرفي واحد، وإنما زاوج بين التاريخ والفلسفة، ولجأ في مرات كثيرة إلى الرواية، كما أصدر كتابات أقرب إلى الخواطر والتأملات الذاتية واليوميات.
ففي مجال الرواية أصدر روايات "الغربة" (1971)، و"اليتيم" (1978)، و"الفريق" (1986)، و"أوراق" (1989)، ثم رواية "غيلة" (1998.(
تفرغ العروي للتأليف والبحث منذ سنة 2000، وأنتج بعدها سلسلة تأملات وحوارات ويوميات، هي "السنة والإصلاح" (2008)، و"من ديوان السياسة" (2009).
كما كتب يومياته التي عنونها بـ"خواطر الصباح" في أربعة أجزاء، صدر آخرها سنة 2015، وأتبعها بكتاب "استبانة" (2016.(
وعن تجربة التعدد المعرفي التي طبعت شخصيته يقول العروي "أنا أقول إني أمارس القصة أو الرواية من جهة ومن جهة ثانية نقد المفاهيم. ننطلق من واقع أسميه أحياناً موصوفاً. هذا الموصوف أتناوله من زاويتين: الأولى هي الوصف الأدبي، والثانية هي التحليل".
شغل العروي عضوية أكاديمية المملكة المغربية (حكومية متخصصة في الثقافة والآداب)، كما كان عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (حكومي) بين عامي 1990 و2002.
ومارس السياسة من بابها الواسع، حيث خاض الانتخابات المغربية، سنة 1977، مع حزب الاتحاد الاشتراكي (يساري).
لكن العروي سرعان ما طلّق السياسة، حيث يعتبر في كتابه من "ديوان السياسة" أنه "إذا طغت السياسة على الكل صارت -وجرّت الكل معها- إلى الحضيض". -
|