مقديشو / نور جيدي / الأناضولبعد نحو أسبوع من التفجير الذي وقع السبت الماضي في العاصمة الصومالية مقديشو يحاول كثير من أصحاب المحلات التجارية والصيدليات والمطاعم، النهوض من براثن الألم، كالعنقاء التي تولد من رمادها المحترق، حسب تقول الأساطير.
وشيئا فشيئا بدأت تعود الحياة إلى تقاطع "5 كيلو متر" وسط العاصمة الصومالية مقديشو، الذي شهد أضخم تفجير في تاريخ البلاد، راح ضحيته 358 قتيلًا، ونحو 300 مصاب، حسب أرقام رسمية.
ورغم حالة الأسى التي خلّفهما التفجير الدامي، فإن المواطنين في محيط المكان أبوا إلا أن ينفضوا الغبار الأسود عن محلاتهم التي أصبح بعض منها أثرا من بعد عين نتيجة قوة التفجير، وكأنهم يعيدون الحياة من جديد للمكان، مثل طائر العنقاء الخرافي الذي تقول عنه الأساطير إنه عندما يموت يحترق، ومن رماده يُولد طائر عنقاء جديد. "عبدالله عثمان"، تاجر صومالي، تضرر محلّه جراء التفجير، يقول للأناضول: "أبدأ اليوم (الأحد) عملي من جديد؛ لأن بضاعتي ذهبت مع التفجير وحلّت مكانها الجثث".
"عثمان" الذي بدت عليه علامات الإنهاك واضحة إثر أعمال ترميم محلّه يضيف: "نعود لممارسة عملنا من جديد، ولا نتذمر من الإرهاب.. هذا وطننا ولا يسعنا إلا مواصلة حياتنا، ولا مفر من الصمود في وجه كل التحديات".
أما "أحمد فارح" الذي شرع أيضًا بترميم محل تجاري يعود لأخيه الذي توفي جراء التفجير، فيقول للأناضول إنه "يسعى لإعالة أسرة أخيه من خلال هذا المحل الذي كان يعتمد عليه كمصدر رزق وحيد لعائلته".
ولفت "فارح" إلى أن ترميم المحل تمهيدًا لإعادة افتتاحه جرى بمساعدة بعض المواطنين والأقارب، الذين جمعوا المال للوقوف إلى جانب أسرة الفقيد.
وعلى الرغم من أن الخسائر المادية في التفجير لم تعلن رسميا بعد، فإن خبراء اقتصاديين يقدرونها بملايين الدولارات نظرا للرقعة الواسعة التي جرى تدميرها.
وبالتزامن مع أعمال الترميم، بدأت زحمة السيارات وضجيج المارة يملآن التقاطع (موقع التفجير)؛ ما يعكس بوادر أمل لا تزال تلوح في الأفق بالنسبة للمواطنين.
** تبرعات بعد مرور أسبوع، وفي محاولة لتبديد مشاهد التفجير المؤلمة التي سكنت بيوت الأسر الصومالية المتضررة، نظّمت بعض العائلات حملات تبرع وزيارات لمن فقدوا ذويهم.
شيخ عمر، البالغ من العمر 60 عاما، الذي فقد اثنين من أبنائه جراء التفجير، يقول للأناضول: "لم أشعر بإعاقتي يوما، لقد كانا بالنسبة لي سندا وعونا.. بعد رحيلهما أواجه صعوبات جمة، فلا أقدر على إدارة وقتي بين العمل والبيت، فأنا رجل معاق".
ويضيف أن "محسنين (متبرعين) صوماليين وقفوا إلى جانبي، وساعدوني بالمال لأعيل أسرتي والتغلب على المشاكل والظروف المعيشية".
وتلعب المساجد دورا بارزا في جمع التبرعات لدعم المتضررين بالتفجير؛ إذ تتواصل حملات التبرع في أنحاء البلاد.
وقد جمعت حملة أطلقها شيوخ المساجد وخطبائها في مسجد بمدينة بوصاصو التجارية (إقليم بونتلاند)، نحو 500 ألف دولار أمريكي.
ويعمل بعض الناشطون على توثيق القصص المأساوية، خاصة للأسر الذين خسروا ذويهم جراء التفجير، وينشرونها عبر صفحات التواصل الاجتماعي؛ ما ساهم في انتشار حملات جمع التبرعات المالية.
** تلاحم شعبي
وظهرت حسنة التفجير الدامي من خلال مظاهر التلاحم الشعبي؛ إذ تشارك الصوماليون في تبديد آلام الأسر التي لا تعرف مصير أبنائها، خاصة أولئك الذين تفحّمت جثثهم بفعل الحريق الناتج عن التفجير.
ولا يزال عشرات الأطفال يعيشون تحت رحمة الأمل بعدما تعذر على ذويهم إثبات رحيل آبائهم؛ ما يؤثر على نفسيتهم، حسب ما تقول عائلاتهم.
ويؤازر طلبة المدارس والجامعات زملائهم ممن فقدوا أحدا من ذويهم في التفجير؛ فينظمون زيارات لمنازلهم للتضامن معهم وتقديم المساعدات لهم.
الشاب ياسين عبدي يقول، للأناضول: "نسعى لتقديم المساعدة لأسر المفقودين الذين يحتاجون دعما كونهم يعيشون حالة حرجة".
وأضاف عبدي: "لقد أطلقنا مبادرة إنسانية لهذا الغرض، وشكلنا لجانا طلابية لجمع مبالغ مالية، من أجل تقديمها لذوي الضحايا".
ويعد التفجير الذي شهدته مقديشو السبت الماضي، الأعنف في تاريخ البلاد؛ إذ تتهم الحكومة الصومالية "حركة الشباب" بالمسؤولية عنه، في حين تلتزم الأخيرة الصمت حيال ذلك. -
|