نينوى (العراق)/ سرهاد شاكر/ الأناضول
لا ينفك عمار الحيالي، وهو شاب في عشرينيات العمر، يتأفف ويستغفر ربه بين حين وآخر، بينما يدخن والده سيجارة عقب الأخرى وهما شاردي الذهن والتفكير في خيمة صغيرة بأحد مخيمات النازحين شمال مدينة الموصل، شمالي العراق.
يشعر عمار، بالذنب والأسى، بعد أن نجا هو وأفراد أسرته، لكن مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي أجهزوا على عدد من سكان الحي الذي يقطنوه في الشطر الغربي من الموصل أثناء رحلة الفرار.
عندما اقتربت القوات العراقية من الحي الذي تقطنه أسرة الحيالي، قررت مع أسر أخرى الفرار منه للنجاة بأرواحهم ووضع حد للواقع اليومي المرير مع الجوع والخوف.
"قررنا الهروب مهما يكون الثمن، وتعاهدنا على حماية بعض، كان عناصر داعش يجوبون شوارع مناطقنا ويحذروننا من مغبة الهروب، لكن الجوع كافر، والخوف على عوائلنا دفعنا لاتخاذ قرار الهروب"، كما يقول الشاب عمار.
ورفض عمار، الإفصاح عن اسم الحي الذي فرّ منه، لأن "هنالك المزيد من الجيران الذين حاولوا الفرار لكنهم فشلوا، وعادوا لبيوتهم ولا نعرف مصيرهم، لكن نخشى أن تصل تلك المعلومات للدواعش ويعاقبوهم، لكنهم يسكنون بأحد الأحياء القديمة في الجانب الغربي من الموصل".
وأضاف في حديثه للأناضول، "تجمعنا في الزمان المحدد، كنا نحو 16 عائلة، حملنا معنا ما خف حمله وغلا ثمنه، أحدنا كان يحمل سلاحا رشاشا من نوع كلاشينكوف، ولديه 60 طلقة، باقي الشباب كانوا يحملون السكاكين، وكان معنا أطفال ونساء من مختلف الأعمار".
وتابع "مشينا لمدة 10 دقائق، قبل الغروب بقليل، لأنه دائما في هذا الوقت تخف الاشتباكات، وينسحب أغلب عناصر داعش، لمقراتهم وأوكارهم ويتركون عددا قليلا من عناصرهم المتعبين".
وبحسب عمار، فإنه "عند اقترابنا من الساتر ما قبل الأخير وفق حساباتنا، لكن تبين أنه الأخير بعد تراجع عناصر داعش، بسبب المعارك ظهر نفس اليوم، سمعنا صوتا هادرا يقول لنا: هل تريدون الهروب من أرض الخلافة لتصلوا إلى ديار الكفر أيها المرتدون؟ ثم فتحوا النيران علينا بشكل كثيف".
عمّ الصراخ والفوضى المكان، وانبطح البعض على الأرض، بينما حاول آخرون الاحتماء بأي شيء يجدونه أمامهم. "كان مشهدا موجعا ومؤلما للغاية"، وفق ما يسرد عمار.
ويتابع بالقول: "عقب توقف إطلاق النار من قبل عناصر داعش، اكتشفنا مقتل 8 من الشبان و4 من النساء ومثلهم من الأطفال، وكنت أسمع أنين الجرحى وهم يحتضرون. لن أنسى ذلك الموقف ما حييت".
أما أباه، الرجل الستيني فيكمل القصة ويقول: "الدواعش لم يكتفوا بذلك، بل تقدم 3 أو 4 منهم نحونا، واعتقلوا عددا ممن كان برفقتنا، من الذين خانتهم قواهم عند الهروب، وأعدموهم فورا".
وتابع "نحن نشعر بالذنب لأننا نجونا ومعنا عدد آخر من جيراننا المساكين، والآن فإن منطقتنا منكوبة وأغلب العائلات فقدت فردا أو اثنين من أبنائها".
والد عمار، يضف للأناضول، قائلا "أثناء وجودنا بمنطقتنا، كانت هنالك أحاديث عن عقد صفقات مع العناصر المحلية من داعش، مفادها أن نصطحب عائلاتهم معنا، وأن لا نبلغ الجهات الأمنية عنهم، مقابل السماح بمرورنا، لكننا لم نفلح في عقد هكذا صفقة".
ومنذ أن وضعت الحرب رحالها في الموصل في أكتوبر/تشرين الأول 2016، كان مئات الآلاف من المدنيين عرضة للموت والجوع والحصار.
ومما فاقم من معاناة المدنيين عدم سماح "داعش" لهم بمغادرة المدينة، حيث يعتبر التنظيم من يحاول الفرار "مرتدا" عن دين الإسلام ويجيز لنفسه قتلهم دون رحمة.
وعلى مدى الأشهر الماضية، وردت تقارير متواصلة عن مقتل مدنيين أثناء محاولتهم الفرار من مناطق "داعش"، أو إعدامهم من قبل عناصر التنظيم بعد القبض عليهم.
وانحسر نفوذ "داعش" تدريجيا إلى أن وصل إلى نحو 10% من الشطر الغربي للمدينة، وفق ما يقول قادة الجيش، لكن التحدي الأكبر يبقى في المدينة القديمة.
تعد المدينة القديمة، ذات الأزقة الضيقة المكتظة بالمدنيين، آخر ملاذ لمسلحي "داعش" في الموصل، ويرجح أن يقاتلو هناك بشراسة حتى آخر رمق وهو ما قد يجعل فاتورة استعادة المنطقة باهظة من حيث الخسائر البشرية.
وسيحرص "داعش"، على إبقاء المدنيين في مناطق سيطرته لتجنب الغارات الجوية والأسلحة الثقيلة.
المقدم عبد السلام الجبوري، من الجيش العراقي، يقول للأناضول إن "قيام داعش، بإعدام المدنيين الذين يسعون للفرار باتجاه قواتنا أصبح واقع حال، ونحن نسمع قصص مرعبة من الناجين الذين كانوا تحت سيطرة التنظيم".
وأضاف "عناصر داعش يقومون بتوزيع جثث المدنيين المعدمين على السواتر وتعليقها على أعمدة الإنارة لزرع الرعب في نفوس الأحياء المحاصرين". -
|